كانت دولة صربيا الشيوعية المدعومة بالفيتو الروسي تحتل البوسنة وكوسوفو المسلمتين، أعلنت “البوسنة” بعد سقوط السوفييت استقلالها عن صربيا و ذلك بقيادة الرئيس “علي عزة بكوفيتش” فشنت صربيا عليهم حرب إبادة وحشية كبرى فسقط عشرات الآلاف من القتلى، للأسف أصر بكوفيتش على عدم السماح للتدخل الدولي في البوسنة و أصر على أن البوسنيين سيتوصلون إلى السلام لوحدهم ، لم يكن بيكوفيتش واقيعا، دفع البوسنيون ثمنا باهظا لعدم واقعية بيكوفيتش من الدماء و الدمار ، ثم اضطر أخيرا إلى الاستغاثة بحلف الشمال الأطلسي لحسم الأمور، فأرسل الأطلسي قوات تمكنت من تدمير مليشيات الصرب و إجبار الأطراف جميعا على التوقيع على معاهدة دايتون التي حولت البوسنة إلى جمهورية إتحادية .
أما “كوسوفة” الألبانية المسلمة فقد قرر شبابها أن يتحرروا من حكم صربيا الشيوعي، و بالفعل بدأ هؤلاء الرجال حرب تحرير ضد الجيش الصربي و لكنها أيضا كانت غير متكافئة نهائيا بين جيش الصرب المدجج بالسلاح و المتوحش بالحقد و بين الألبان طلاب الحرية ذوي السلاح الفردي الخفيف.
كان قائد ألبان كوسوفة رجل حكيم إسمه إبراهيم روغوفا ، هذا الرجل أعطاه الله الحكمة (السعيد من اتعظ بغيره و الشقي من اتعظ به الناس) ، فنظر إلى هذا الصراع و إلى تجربة الشقاء في البوسنة و علم بخبرته السياسية الكبيرة أن شعبه شبه الأعزل لن يستطيع الانتصار في حرب شنها عليهم الصرب و لن يوقفوها حتى يرووا أحقادهم التاريخية من دماء و أشلاء الكوسوفيين و سيقتل في نهاية الأمر عشرات الألوف من شعب كوسوفة على يد الصرب و لن تنجح الثورة و تفتقت عبقريته عن مخرج لهذه الكارثة.
لقد درس روغوفا في الغرب و يعرف جيدا أن الساسة الغربيين يتحركون وفق مؤشرات المزاج الشعبي الغربي و يعرف أيضا أن شعوب الغرب تحقد على العنجهية الروسية و الصربية و تكره الدكتاتوريات و تعتز بمناصرة الحرية و الديمقراطية.
كان الرئيس الأمريكي بيل كلنتون ملتزما بسياسة عدم التورط في صراعات مسلحة خارج أمريكا و يرفض أن تقوم أمريكا بدور شرطي العالم و لذلك تردد كثيرا في التدخل في صراع رواندا المسيحية الذي راح ضحيته ملايين البشر و في حرب البوسنة و السبب طبعا هو حرصه على المكاسب الإقتصادية التي جناها الأمريكيون في فترة حكمه .
قرر روغوفا رحمه الله أن يوفر على كوسوفة و شعبها القتل و الدمار فأوعز إلى شباب كوسوفة أن يتجمع الآلاف منهم في بريشتينا عاصمة الإقليم و أن يحتلوا حدائق القنصليات الغربية القليلة الموجودة فيها أمام عدسات الإعلام و بأيديهم لوحات كتبت عليها مناشدات لحلف الناتو بالتدخل لإنقاذهم من المجازر على يد الصرب التي كانت قد بدأت فعلا و حملوا أيضا أعلام الناتو و أعلاما أمريكية و فرنسية و ألمانية و اعتصموا في تلك السفارات.
روعت تلك الصور شعوب الغرب بالإضافة إلى صور المجازر التي ارتكبها الصرب في شمال كوسوفة و توجه الرأي العام الغربي إلى ضرورة التدخل العاجل لوقف الإجرام الصربي ، و اضطر كلنتون تحت ضغط الرأي العام الأمريكي و الأوربي للتدخل الفوري دون المرور عبر مجلس الأمن لأن روسيا كانت قد استخدمتت الفيتو و هددت به مرارا بشأن البلقان ، و شن حلف الأطلسي رغما عن أنف روسيا حربا جوية و برية هائلة على جيش الصرب و دمر هذا الجيش تماما و دخلت قوات أطلسية إلى كوسوفة لدعم جيش تحرير كوسوفة و امتد الانهيار إلى صربيا فسقط نظام الحكم الشيوعي الذي قاده ميلوسوفيتش و تحررت صربيا أيضا من الاستبداد .. اعترف العالم لكوسوفة الدولة البرلمانية باستقلالها في العام ما قبل الماضي و لم يعش روغوفا رحمه الله ليرى حلمه يكتمل و لكنه لم يسمح لنفسه بالوقوف موقف المتفرج على أهله يذبحون دون أن تكون لديهم فرصة للدفاع عن أنفسهم ..
سورية اليوم تحت الاحتلال الإيراني في وضع مشابه تماما لوضع البوسنة و كوسوفة و هي أقرب لوضع كوسوفة منها إلى البوسنة لأن الشعب السوري لا يملك جيشا و لا توجد لديه قوات مقاومة مسلحة و لن يتردد الحقد الفارسي الذي يقرر في سورية اليوم كل شيء في أن يبيد كل الشعب السوري الثائر ليروي أحقاد الأكاسرة على أحفاد العرب الذين دمروا الإمبراطورية الكسروية .. وفي سورية ما هو أسوأ إذ لا يوجد للشعب قادة يقررون و يأمرون فيطاعون ، و ليس لأحد سوى النصيحة لأولئك الثائرين الذين اتخذوا قرار فتح الحرب الإيرانية على الشعب السوري و ليس بأيديهم قرار إنهائها و لا يملكون حتى خيار التراجع عن خوضها .. أنت أيها الثائر داخل سورية القائد و أنت أمام خيارين لا ثالث لهما .. أن تكون رئيس البوسنة علي عزت بيكوفيتش أو أن تكون زعيم كوسوفة إبراهيم روغوفا رحمهما الله تعالى ..