لا أغالي اذا قلت ان الوضع في مصر اشبه بما كان عليه قبل هزيمة العام 1967. ضجيج التظاهرات والهتافات يصم الآذان, ومئات الحناجر تستعيد صوت احمد سعيد, واكثر من جمال عبدالناصر, وشعارات حماسية, تبدأ ولا تنتهي في مشهد لا يبشر بخير ابدا, لان ما انتهت اليه احداث عام 1967 هزيمة نكراء تجرعت مصر والعالم العربي معها مرارتها طويلا حتى جاءت حرب العبور لتزيل بعض اثارها وتعيد للعرب ماء وجههم.
قبل ذلك العام اعتمد عبدالناصر على الشارع واثارة حماسته وغطى بضجيج المتظاهرين قراراته التي استندت الى معطيات زائفة وقدرات وهمية وخاض مغامرته بعد ان هدد برمي اسرائيل في البحر, وطلب مغادرة قوات مراقبة الهدنة, الا انه اكتشف بعد ذلك مدى خواء ما اعتمد عليه, فدمرت اسرائيل السلاح والجيش المصريين واحتلت سيناء, فيما الحليف السوفياتي ومعه الدول العربية التي اعتمدت مصر على مساندتهم وقفوا متفرجين وكان العالم كله الى جانب تل ابيب حتى في اخطائها, فرغم اتهام الامين العام للامم المتحدة- وقتذاك- يو ثانت تل ابيب بخرق الهدنة وشن الحرب الا ان ذلك لم يبدل من واقع الامر شيئا, ولم يزعزع قوة الدعم العالمي للجيش الاسرائيلي.
ما انتهت اليه ثورة 25 يناير هو المشهد الذي تلفه قتامة اجواء العام 1967, فهؤلاء الذين ثاروا على الفساد, وصرخوا مطالبين بمحاسبة الفاسدين ووجدوا من يؤيدهم من هنا وهناك… هؤلاء رغم ان ما فعلوه حق وامر جيد, الا انهم اوصلوا مصر الى الفوضى لان معالجة الفساد لا تكون في انفلات زمام الامن وتقويض مؤسسات الدولة, فالفساد موجود في كل دول العالم لكن لم يعالج في اي من الدول المتقدمة بالشكل الذي انتهت اليه الاحداث المؤسفة في مصر.
ما انتهت اليه ثورة 25 يناير هو المشهد الذي تلفه قتامة اجواء العام 1967, فهؤلاء الذين ثاروا على الفساد, وصرخوا مطالبين بمحاسبة الفاسدين ووجدوا من يؤيدهم من هنا وهناك… هؤلاء رغم ان ما فعلوه حق وامر جيد, الا انهم اوصلوا مصر الى الفوضى لان معالجة الفساد لا تكون في انفلات زمام الامن وتقويض مؤسسات الدولة, فالفساد موجود في كل دول العالم لكن لم يعالج في اي من الدول المتقدمة بالشكل الذي انتهت اليه الاحداث المؤسفة في مصر.
لا نريد ان يغلط المصريون مرة اخرى ويصلوا الى ما وصلت اليه الامور العام 1967, اذ ليس بالهتافات واحراق اعلام الدول والضرب بالعصي ورشق الحجارة تعالج القضايا, وخصوصا اذا تعلق الامر بعدو يقف العالم الى جانبه في الصواب والخطأ, وهو ما يجب ان يدركه الجميع, ويتذكروا جيدا ما قاله الرئيس المصري السابق حسني مبارك لرئيس الحكومة اللبنانية, السابق, سعد الحريري في آخر لقاء بينهما اثناء استعراضهما الوضع في لبنان, :” اذا كنت ستعتمد على الغطاء الاميركي فستنام عريانا”, ونحن الآن لا ندري باي غطاء تتغطى الثورة المصرية? بل اي لحاف سيغطي مصر فيما الفوضى تضرب اطنابها, وقد وصل الامر الى المس علنا بالاتفاقيات الموقعة مع بعض الدول التي مع الاسف, وكما قلنا سابقا, العالم كله لحاف لها, فهل تريد مصر- الثورة ان يقف العالم ضدها وتنام في العراء?
ما يجب اخذه بعين الاعتبار نظرة بعض الدول الكبرى الينا كعرب, وكيف تتعامل مع قضايانا, واولوياتها في هذا الشأن, ربما يمكننا الاستفادة مما جرى في المملكة المتحدة قبل ايام, ففي الوقت الذي ثارت موجة غضب شعبية في عدد من المدن البريطانية نهبت خلالها المتاجر وقطعت الطرق وذهب ضحيتها عدد من القتلى كما ألقي القبض على اكثر من ثلاثة الاف مواطن, لم نر مسؤولا اميركيا يخرج مطالبا رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بالاستقالة, كما فعل الرئيس الاميركي باراك اوباما مع الرئيس حسني مبارك, بل كل الدول اعتبرت ما جرى في بريطانيا شأنا داخليا وما مارسته اجهزة الامن ضرورة لحفظ الاستقرار, فيما الثورات التي شهدتها بعض الدول العربية, والحرب الاهلية التي تلوح في افق بلدان اخرى سارعت الدول الكبرى الى تأييدها, لعلها شئنا ام ابينا, تصب في صالح اسرائيل التي تريد مجتمعات عربية منشغلة بنفسها وغارقة بالفوضى لا تشكل خطرا عليها.
لم يفت الوقت بعد حتى تتجنب مصر الوقوع في خطأ 1967, وذلك لا يكون الا من خلال تيقن المجلس العسكري الاعلى ان البلاد امانة بيده, والمطلوب منه ان يهتم بها وبمستقبلها ولا تشغله عن ذلك شهوة الانشغال بكراسي السلطة.
أحمد الجارالله
أحمد الجارالله