إن تردد الجامعة العربية وضعف موقفها من جرائم العصابة البعثية له عدة أسباب، منها بعض من التواطؤ، ومنها أيضا الخوف على المنطقة والشعب السوري من حرب إقليمية ومن زيادة إجرام النظام إذا تدخلت بقوة، ينطبق التواطؤ على دول معينة مثل الجزائر والعراق ولبنان وغيرها، وينطبق الخوف على دول أخرى مثل السعودية والأردن وغيرها، فالنظام البعثي قد عرف من البداية أن القتل بكميات كبيرة مثل ما فعل القذافي سوف يجعل المجتمع الدولي يتدخل عسكريا بسرعة، لذلك اعتمد سياسة القتل المحدود من أجل تخويف المجتمع الدولي من التدخل خوفا على الشعب من زيادة القتل، وأيضا لأسباب أخرى.
إن هذا البروتوكول رغم أنه ليس قويا بما يكفي لحماية الشعب السوري بشكل كافي، إلا قد صُمم أصلا للحماية وليس للقتل، ولم بكن بروتوكولا قد صمم للموت من الأصل، وكان من الممكن أن يقدم حماية جزئية للشعب السوري، ولكن هذا النظام كما يبدو يزداد قتلا كلما شعر بقرب سقوطه، ولأن أي حماية حيادية للشعب السوري من شأنها أن تقرب سقوط النظام، لهذا يشعر باليأس ويزداد كل يوم إجراما، لكنه لم يصل بعد إلى درجة إجرام القذافي، ربما لأن هذه ورقة يؤجل اللعب بها ويخوف المجتمع الدولي منها في حالة حصول تدخل عسكري من قبيل منطقة عازلة أو حظر جوي، فكانت مجزرة جبل الزاوية التي تفوق القتل السابق لكنها لا زالت لا تصل لمستوى قتل القذافي، التي قدمها كرسالة تحذير قبل وصول المراقبين مما يمكن أن يفعله إذا حصل تدخل عربي أو دولي جدي.
ثم رفع وتيرة التحذير لتصل لدرجة التفجيرات الإرهابية، وهي تحمل رسائل ذات أوجه متعددة، منها زيادة التخويف، لأن الجميع يعرف أن النظام هو مدبرها، ومنها محاولة يائسة لإقناع المجتمع الدولي بخرافة العصابات المسلحة، أو على الأقل إرباكهم بها، وتضييع وقت المراقبين وإشغالهم بها عن مهمتهم الأصلية، وأيضا لفرض مراقبة شديدة عليهم بحجة الحفاظ على سلامتهم.
قد يكون تطبيق الحظر الجوي والمنطقة العازلة بدون احتياطات سيجعل النظام يزيد القتل لأنه غرق في اليأس وحصل له المحظور فما الذي يخاف منه بعد هذا؟ ولهذا برأيي فإن عدم قوة موقف الجامعة العربية وإعطاء المهل رغم ما يحصل فيها من قتل قد يكون في أحد جوانبه محاولة لتجنب الأسوأ، فهذا المجرم الذي حول كل الشعب السوري إلى رهائن عنده، يُخشى إذا وصلت معه الأمور إلى درجة اليأس أن يقدم على مجازر بأرقام خرافية (لا سمح الله)، وذلك رغم كل وسائل الاتصال الحديثة وانتشار الكاميرات، لهذا ربما يجب أن تكون سياسة المداراة معه ريثما يتم إضعافه من الداخل وتأمين احتياطات الحماية لكل الشعب السوري من السيناريو الأسوأ، وهذا قد يعني حتمية التدرج في اتخاذ الخطوات العربية والدولية ضد النظام، رغم أن خطوة المراقبين أصبحت متأخرة جدا.
من الغريب فعلا أن البروتوكول يمثل نقطة تلاقي بين داعمي النظام وداعمي الثورة من الدول العربية والدول الإقليمية والكبرى، فهو سيف ذو حدين، من جهة فيه إدانة للنظام وتمهيد للتدويل، وهو برتوكول إعدامه كما قال الأستاذ هيثم المالح، وفيه أيضا مهلة جديدة طويلة للنظام لكنها أيضا مهلة مقيدة يصعب عليه استغلالها لصالحه، لأن الشعب أيضا يستطيع استغلالها لصالحه، ولم يكن لهذه العصابة أن ترضخ للتوقيع على بروتوكول موتها لولا شدة الضغط العالمي على حلفاء النظام روسيا وإيران والذين ضغطوا عليه بدورهم ليوقعوا.