الخميس 27 محـرم 1433 هـ – 22 ديسمبر 2011 م …
صحيفة الدستور الاردنية
توقيع النظام السوري على “بروتوكول المراقبين”، كان له وقع المفاجأة على كثيرٍ من مراقبي الأزمة السورية والمنخرطين فيها ومتتبعيها… المفاجأة كانت من النوع السار بالنسبة لمؤيدي النظام الذين رأوا فيها بداية مخرج من الاستعصاء… أما معارضو النظام، فقد حمل إليهم التوقيع، نذر استطالة أمد الأزمة وتطاولها، إذ رأوا فيه، خديعة جديدة تضاف إلى إرث متطاول من المراوغة والخداع والكذب، الذي ميّز النظام، وفقاً لأغلب تصريحات قادة المعارضة ورموزها.
نحن نعلم، أن النظام ما كان ليقبل بوضع توقيعه على بروتوكول من هذا النوع، إلا تحت أقسى الضغوط وأشدها وقعاً، خصوصاً تلك التي هبّت عليه من العواصم الحليفة له، وهي على أية حال، تعد على أصابع اليد الواحدة… فالنصيحة الروسية – الصينية، والحث الإيراني على هذه الخطوة هما اللذان أقنعا النظام بالتوقيع، وليس كما قيل وتردد، بأن “المفاوض” حصل قبل التوقيع، على “تعديل” يحفظ سيادة سوريا ولا يمس استقلالها.
نحن الآن بانتظار ما الذي ستخرج به فرق المراقبين العرب، الذين قد يُطعّمون بخبراء دوليين… والأهم، كيف ستسير مهمتهم على الأرض، وما إذا سيكون بمقدورهم الوصول إلى البؤر الساخنة والسجون والمستشفيات، وهي الأماكن التي يتعين عليهم أن يمارسوا فيها خبراتهم في البحث والاستقصاء وجمع الوقائع وتوثيقها.
ثم بعد ذلك تأتي الخطوة التالية: ما الذي ستفعله الجامعة العربية، ومن خلفها المجتمع الدولي، إن جاءت نتيجة الاستقصاء والاستطلاع، لتؤكد مقارفة نظام الأسد، جرائم ضد الإنسانية (ضد شعبه)، وأن ما حصل خلال الأشهر العشر الفائتة، يرقى إلى مستوى الإقرار بتحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية وتفعيل القانون الدولي الإنساني؟.
لا شك أن النظام بتوقيعه البروتوكول في ربع الساعة الأخير، كان يدرك تمام الإدراك، أن “لعبته” هذه هي سلاح ذو حدين… من جهة سيكون بمقدوره شراء بعض الوقت، بضعة أشهر لا أكثر…. لكنه من جهة ثانية، كان يعلم علم اليقين، بأن “السحر قد ينقلب على الساحر”، وإن “المناورة” التي أريد بها شراء بعض الوقت، قد تصبح وسيلة لتسريع رحيله، ودفع “المترددين” لحسم ترددهم، والانتقال إلى “الخطوة التالية”.
لسنا نصدق الرواية التي تتحدث عن “قناعة” راودت النظام، بأن حصاد أعمال خمسمائة مراقب، سوف تصب لصالحه…. فلدينا من الشواهد والمعلومات والشهادات الفردية، ما يكفي للجزم بأن ما حصل سيجرّم النظام، وسيأخذ العديد من كبار أركانه، إن لم يكن جميعهم، إلى “أقفاص الاتهام الدولي”… ونعتقد كما يعتقد كثيرون غيرنا، بأن النظام سيعمد إلى أخذ المراقبين إلى حيث يريد لهم أن يتوصلوا إليه من خلاصات ونتائج.
ومما يزيدنا اقتناعاً بصحة هذه الفرضية، ما شهدناه خلال الأيام القليلة التي أعقبت التوقيع، من تزايد خطير في أعداد القتلى والجرحى، ومن عمليات إعدام واسعة طالت منشقين عن الجيش والأجهزة الأمنية السورية… لكأن النظام يريد أن “يُسعّر” في قادمات الأيام، حالة المواجهة العسكرية مع المنشقين والمحتجين غير السلميين، للبرهنة على إطروحته الأولى، التي لخّص فيها “المسألة السورية” على أنها إرهاب تقوده عصابات مسلحة وخارجون على القانون… وليس مستبعداً، والحالة كهذه، أن يعمد النظام إلى رفع وتيرة القتل والقتل المضاد… ما يعني أن المعدل اليومي للقتلى والجرحى سيتضاعف في الايام القادمة، مثلما تضاعف الآن عن معدله في الأيام الفائتة.
لا أحسب أن فريق المراقبين سيكون من السذاجة والخفّة، بحيث يكتفي بتفحص وقائع الأيام الأخيرة فحسب… في ظني أنهم سيجمعون مئات الشهادات الحيّة والملموسة عن وقائع الأشهر العشر الفائتة جميعها… وعندها ستكون “توصياتهم” في الغالب الأعم، مغايرة تماماً لما أراده النظام وخطط له، طائعاً أو مكرهاً… عندها، وعندها فقط، ستجد المنظومة العربية نفسها أمام واحد من اختباراتها القاسية… فهذه التوصيات ستكون واجبة النفاذ، وإن لم تقوَ الجامعة العربية على ترجمتها، فإن الباب سوف يفتح على مصراعيه، على شتى أشكال واحتمالات التدخل الدولي، وبغطاء عربي واسع.