ما بعد خطاب اﻷسد المهدد بالزلازل و بالخراب على الجميع ليس كما قبله. المتحدث هذه المرة ليس رجل أعمال عصامي صادف أنه ٳبن خال الرئيس، وليس وزير خارجية مترهل و “غير ذي صلة” بمركز القرار السوري. من يهدد هو رأس النظام و الناطق الرسمي باسم العصابة الحاكمة بالقوة في دمشق.
ماذا يعني اﻷسد بالزلزال؟ بم يهدد اﻷسد؟ ما الذي دفع الحاكم بأمره في سوريا ﻹطلاق تهديدات مماثلة لتلك التي أطلقها قبله اثنان من زعماء الممانعة، انتهى أحدهم في جحر انتشله منه “المارينز” والآخر في أنبوب مجاري أخرجه منه ثوار ليبيا ؟ تهديدات هذين الزعيمين لم تنفعهما في ساعة الحشرة، فهل لدى الرئيس الوريث ضمانات أفضل من سابقيه؟
اﻷسد ليس لديه سلاح نووي يشهره في وجه أعدائه، لكن لديه أسلحة كيماوية وليس لديه من وازع أخلاقي يمنعه من استعمالها ضد شعبه أو غير شعبه. فهل يهدد اﻷسد، كما فعل صدام قبله، بحرق “نصف ٳسرائيل بالكيماوي المزدوج”.
الجدير بالذكر أن اﻷسد وجه خطابه للغرب، عبر صحيفة صهيونية الهوى، ولم يوجهه مباشرة للعرب أو لشعبه، ربما ٳدراكاً منه أن أحداً لا يبالي ٳن أحرق نصف سوريا، بالكيماوي أو بدونه، لكي يحافظ على عرشه. لكن ماذا لو كان خطاب اﻷسد موجهاً “للعدو الصهيوني” معلناً الانتقال ٳلى حالة “ممانعة و صمود” فعلية بعد عقود من التفاهمات و التحالفات السرية مع “العدو اﻹسرائيلي”؟
هل “يئس” اﻷسد من أن يلقي له نتانياهو حبل النجاة من “زنقته” مع شعبه، كما اعتاد النظام سابقاً ؟ هل يهرب اﻷسد من استحقاقات الوضع الداخلي ٳلى مواجهة ولو محدودة مع ٳسرائيل، تُحرج الثوار السوريين ؟
هل تعبت ٳسرائيل من عدوها السوري اللدود و من طلباته التي لا تنتهي ؟ ٳذ كان من السهل على نتانياهو أن يدلي بتصريح واحد “يدعم” فيه الثورة السورية وهكذا يفتح الباب واسعاً أمام نظام اﻷسد و أبواقه لعزف نغمة الممانعة و المؤامرة من جديد “بدلالة أن العدو الصهيوني يدعم الحراك الشعبي بهدف ٳضعاف نظام الصمود والتصدي”.
مادام نتانياهو لم يفهم من “ٳشارة” ابن خال الرئيس، كان لا بد من “حركشته” عبر ٳرسال مواطنين عزّل عبر خط وقف ٳطلاق النار. هذه المرة أيضاً لم يفهم نتانياهو ولم “يتلحلح” بل اكتفى بقتل من حاولوا العبور و بالسماح لجحافل اﻷسد بسحق المتظاهرين في حوران، قبل أن يبدأ ببناء جدار عازل يحيط بالجولان المحتل، على مبدأ “الباب الذي تأتيك منه الريح، سدّه و استريح”. حقاً ٳن سمع نتانياهو ثقيل لكي لا تصله استغاثات حليف اﻷمس. “العدو” يكتفي بالحد اﻷدنى من الخدمات، مثل تأمين تغطية دولية سرية للنظام، دون توريط ٳسرائيل بشكل مباشر في حماية نظام أصبح عبئاً على أصدقائه قبل أعدائه.
لا بد وأن النظام قد انزعج من نكران الجميل اﻹسرائيلي هذا، و من “لا يفهم بالذوق” لا بد من تذكيره بفضائل النظام عليه و بديون الماضي القريب وٳفهامه “أن من تعرفه خير ممن تتعرف عليه”. النظام ربما أراد تذكير ٳسرائيل و الغرب أنه لن يذهب ٳلى الجحيم وحيداً، فهل من سامع ؟
هل تأتي تهديدات ٳسرائيل ضد ٳيران استجابة لتوسلات اﻷسد ؟ هل تتوافق ٳيران و ٳسرائيل على حرب مسرحية محدودة، كحرب تشرين “التحريكية” يكون هدفها اﻷساس ٳنقاذ اﻷسد من ورطته ؟ هكذا تمثيلية ستكون في مصلحة اﻷسد و ٳسرائيل، لكن ٳيران و رئيسها نجاد سيكونان في حرج شديد أمام المعارضة اﻹيرانية الداخلية. هكذا حرب ستكون عالية الكلفة بالنسبة لنجاد ٳن لم يحقق فيها نصراً ذي معنى على ٳسرائيل. ليس ممكناً في الوقت الراهن استبعاد هذا السيناريو ولو أنه يبدو صعب التطبيق.
هل “يجن” اﻷسد حين يثق أن نهايته قد دنت و يطلق فرق جيشه، بالخاصة ذات اﻷغلبية السنّية، في حرب عبثية لتحرير الجولان المنسي منذ 1974؟ النتيجة معروفة سلفاً، فلا أحد يثق باﻷسد أو يصدق أن لديه أدنى رغبة في تحرير اﻷرض المحتلة بعدما استباح زبانيته اﻷراضي السورية والعباد بأبشع مما تفعل جيوش الاحتلال. في هكذا حالة سيدرك الجنود، ممن لم ينشقوا بعد، أن اﻷسد يرسلهم ٳلى المحرقة للتخلص منهم، كما فعل صدام حين أمر جيشه بالانسحاب من الكويت تحت القصف!
ربما يكون قد بقي بعض السذّج في الجيش السوري ممن يصدقون أن مهمة جيش اﻷسد هي حماية البلد من العدو الصهيوني. لكن اﻷمر يحتاج ٳلى درجة عالية من الغباء لتصديق أن اﻷسد يريد تحرير الجولان و لو كلفه ذلك عرشه في دمشق. توريط اﻷسد لجيشه في مغامرة مجنونة على جبهة الجولان سيتيح الفرصة لانشقاقات واسعة في الجيش و لحالات فرار شبيهة بما حصل في العراق وقت الغزو اﻷمريكي فلا أحد مستعد ليموت من أجل طاغية. هكذا مغامرة ستأتي وبالاً على اﻷسد.
اﻷمر سيكون مختلفاً فيما لو قامت ٳسرائيل باجتياح اﻷراضي السورية، و لو بهدف خلع نظام اﻷسد المكروه شعبياً. الكثير من الجنود بما فيهم العلويون، وطنيون بما يكفي للتصدي ﻹسرائيل، ولو كانت النتيجة بقاء اﻷسد في السلطة. هذا السيناريو الذهبي لزلزال اﻷسد يبدو بعيد المنال لسوء حظ بشار، فٳسرائيل “تضنّ” به على حليف اﻷمس ﻷن كلفته قد تكون مرتفعة بعض الشيء بالنسبة لها.
السيناريوهات الجيدة للأسد تبدو مستبعدة، فماذا في حوزة اﻷسد للتهديد به و كيف سيقع الزلزال الموعود؟
بقي سيناريو أخير، مجنون و انتحاري، يليق بنظام دموي وقاتل كنظام اﻷسد: خيار يوم الآخرة. اﻷسد المحاصر في قصره تحت قصف طائرات الناتو و المهدد بالانتهاء داخل أنبوب للمجاري، يصدر اﻷوامر بٳطلاق صواريخه المحملة برؤوس كيماوية و نووية “قذرة” ضد ٳسرائيل لمعاقبتها على عجزها عن حمايته. الرد اﻹسرائيلي، الذي قد يكون نووياً، ربما سيستهدف حواضر الشام، و لكنه بكل تأكيد لن يوفر مناطق سكن الطائفة العلوية.
ٳسرائيل ستضطر للرد و للدخول بقوة على خط اﻷزمة السورية وستكون النتيجة حرباً حقيقية هذه المرة ولكن على الطراز اﻷفغاني. سنرى حينها “افغانستانات” شرق أوسطية وربما ستصل اﻷمور ٳلى حالة صومالية في شرق المتوسط. لا أحد مستعد لتصور هكذا كابوس في المنطقة. هذا بالضبط ما عناه اﻷسد حين تحدث عن الزلزال و الافغانستانات، هذا السيناريو هو ما يحد من ٳمكانية تحرك المجتمع الدولي ضد نظام القتل في دمشق، فقتل عشرات الآلاف من السوريين لا شيء مقابل تعريض حياة بعض اﻹسرائيليين للخطر.
اﻷسد بخطابه “الزلزالي” هذا يطلب من العالم أن يتركه يستمر في قتل شعبه دون تعكير صفوه وٳلا…
المشكلة هي أن أزمة الأسد هي مع شعبه حصراً و لا أحد يقدر على حلها غير السوريين المصرين على الخلاص من نير الأسد رغم القمع، فماذا بإمكان أخلص أصدقاء الأسد أن يفعلوه و لم يفعلوه بعد ؟ المهل تتوالى منذ ثمانية أشهر و سوريا تبدو أشبه بمذبح مغلق، كتب على بابه “رجاء عدم الإزعاج”. استمرار الحراك السوري ولو سلمياً، واعتقاد الأسد الهاذي أنه عرضة لمؤامرة يجب أن تتوقف، مع عجزه عن فهم عمق الأزمة التي يعيشها مع شعبه، هذه كلها تضع المنطقة كاملة على كف عفريت وهو ما لا يرغب به أحد. بالمحصلة، إن استمر الأسد بابتزاز أصدقائه، فقد يجد هؤلاء أن من الأيسر عليهم التخلص منه، ولو كشخص.
إن صحّت وجهة النظر هذه، فعلينا أن نتوقع أن نهاية الأسد، كشخص و كعائلة، ستكون قد اقتربت. حين يبدأ نظام دموي كنظام الأسد في تهديد أصدقائه الذين ينتظرون منه أن يؤمن “سلامتهم” فهذا يعني أن دوره قد انتهى أو يكاد.
د أحمد الشامي