في ثورة انهيار الاتحاد السوفياتي وفي معظم الثورات المزامنة لها في دول أوروبا الشرقية الشيوعية ذات الطابع الستاليني المماثل لنظام الأسد، في تلك الثورات نجحت “هيئات التنسيق الوطني” المتعاملة مع الأنظمة الساقطة في أن تقطف ثمرة الثورة وتعيد انتاج الأنظمة القديمة في ثوب جديد، فها هو الرئيس الروسي بوتين يقوم بحركة خداعية ليعود للسلطة بطريقة ممكيجة بالديمقراطية الشكلية، وبما أن “هيئة التنسيق مع النظام” في سوريا قد فشلت فشلا ذريعا، فمن المؤكد أنهم سيلجأون لهيئات تنسيق أو شخصيات معارضة أخرى، ولكن بأسلوب جديد، فكيف يمكن أن نسقطها هي الأخرى؟
عند البحث عن العوامل المشتركة بين هيئة التنسيق والنظام نجد أن أهمها:
1- رفض إسقاط النظام: كل من النظام وهيئة التنسيق يرفضان إسقاط النظام، ويزعم النظام أنه يريد الإصلاح بعد انتهاء الثورة، في حين يمكن لهيئة التنسيق الحوار معه وتشكيل حكومة بعد توقف القتل وانسحاب الجيش، طبعا هذا لا يحصل إلا بعد القضاء على الثورة.
2- الجذور الفكرية الماركسية: الهيئة مكونة من تحالف شخصيات وأحزاب من المرجعية الأيديولوجية اليسارية الماركسية والقومية وهي نفس المرجعية التي ينتمي لها حزب البعث الذي يقوم عليه النظام.
3- الرضا بالنفوذ الإيراني: في موقف الهيئة من النفوذ الإيراني نجدها تتمسك به أو على الأقل لا تمانع به وهذا عامل مشترك آخر مع النظام.
4- الرضا بالتحالف مع روسيا والصين: في موقف هيئة التنسيق من التحالف مع روسيا والصين أعداء الشعوب والحريات، نجدها أيضا ترحب بذلك، بل تتشبث به.
5- الموقف من الطائفية: أما عن الطائفية فنجدها ترفض الطائفية في الظاهر ولكنها تبالغ كثيرا في تبرئة النظام من الطائفية، بل ويصف بعض أعضائها الجيش السوري المعروف بالتركيبة الطائفية بأنه جيش وطني يجب أن نظل ننتظر وقوفه إلى جانب ثورة الشعب مثل الجيش المصري!! أليس من يبرّئ الطائفيين من الطائفية يكون متواطئا معهم؟ وهل نظل ننتظر هذا الجيش إلى ما لا نهاية؟
6- رفض الجيش السوري الحر: هيئة التنسيق ترفض الجيش السوري الحر وأيضا النظام كذلك يرفضها.
6- رفض حماية المدنيين: كل من النظام وهيئة التنسيق يرفضون الحماية الدولية المشروعة للشعب السوري.
عندما نتفحّص الساحة جيدا وبدقة بحثا عن مثل هذه العوامل المشتركة لدى أطياف المعارضة نجد أحد هذه العوامل أو أكثر لدى تجمعات أو شخصيات معينة، ولكن مع فارق مهم، وهو أنه لن يكون الفخ الآخر بنفس غباء الفخ الأول، بل سيكون أكثر احترافا وذكاء وأكثر تخفيا، ويعتمد كثيرا على الخطاب الرمادي والخطابات التي تحمل أكثر من وجه وأكثر من تأويل، والأمر يشبه كثيرا فيروس الانفلونزا الذي يستمر في انتاج سلالات جديدة تقاوم مناعة الإنسان من السلالات السابقة.
في الثورات عادة يتم اعتماد مطالب واضحة وجذرية، ولا حاجة لخطابات دبلوماسية أو رمادية من قبل من قيادات الثورة أو من يمثلونها، والشعب السوري أيضا قال مطالبه بوضوح كامل: إسقاط النظام كاملا والحماية الدولية والحظر الجوي والمنطقة العازلة، ورغم ذلك نجد عند بعض أعضاء المجلس الوطني تضاربا في الأقوال وكثرة استعمال للخطاب الرمادي، حيث يوجد ترحيب بالجيش الحر دون اعتراف صريح به، وإذا كانت هيئة التنسيق لا تريد إسقاط النظام وتطمح إلى الحوار معه وتشكيل حكومة تحت حذائه، فإن الأفخاخ الأكثر ذكاء تريد فعلا إسقاط النظام ولكن تريد إحلال نظام شبيه به وله القدرة على البقاء في ظل دستور ديمقراطي ويستمر بالمتاجرة بالمقاومة الكاذبة والتحالف مع إيران وروسيا ويقدم بضعة إصلاحات غير جوهرية.
لا تخيفنا كثيرا الفيروسات المكشوفة مثل كبير الشبيحة المعارض رفعت الأسد ولا الفيروس عبد الحليم خدام الذي قال في مقابلة مع صحيفة الشراع اللبنانية إنه وبالتعاون مع بعض الشخصيات الشيوعية والبعثية قد شكلوا “الهيئة الوطنية لدعم الثورة السورية” لتدريب الشباب على استلام السلطة، طبعا لأنهم لا يمكنهم تدريبهم إلا على نفس نهج وطريقة معلمه المقبور حافظ المجرم، فكل إناء بما فيه ينضح وفاقد الشيء لا يعطيه، لكن ما يخيفنا كثيرا هي الفيروسات ذات الخطاب الرمادي الضبابي، وخاصة ممن لا يعلن بكل وضوح وكل صراحة رفض النفوذ الإيراني ويريد أن تقتصر الثورة فقط على نظام الأسد.
وبالبحث الدقيق والمتفحص عن تلك العوامل المشتركة مع النظام الساقط قريبا إن شاء الله، يمكن لنا بكل سهولة تكوين “مكافح فيروسات – anti virus” ذكي أو “لقاح” شامل يهدف إلى مكافحة الجوهر والجذور التي تأسست عليها هذه المعارضات، وليس مكافح فيروسات تقليدي “غبي” لا يعرف إلا الفيروسات التقليدية فقط من شكلها الخارجي أو أسمائها الظاهرة.