إن أول ما يتطلب الاعتراف به عربيا وإقليميا ودوليا أن ما يجري في سورية منذ 15-3-2011م وحتى لحظة إعلان خطة العمل العربية لدى مقر الجامعة العربية في 2-11-2011 ثورة شعبية ديمقراطية سلمية، ضد النظام السوري الفاشل، من حيث توفر اشتراطاتها الموضوعية والذاتية، والمتعينة من خلال خراب العمران السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه سورية منذ عدة عقود.
و ما تشهده سورية اليوم، ليس مجرد أزمة عابرة ، أو حراكاً شعبياً مطلبياً، أو صراعاً على السلطة بين القوميين والإسلاميين، كما يطيب للبعض أن يصفه، بل هي ثورة الشعب السوري بكافة قواه اليسارية والإسلامية والقومية والليبرالية، وجميع مكوناته المجتمعية، والمصمم على خوض معركة كسر الإرادات مع القوة الاستبدادية السُلطوية ، والمستهدف للتغيير الوطني الشامل، و دخول العصر.
إن الثورة الوطنية الديمقراطية المشتعلة في جميع أرجاء الوطن السوري، والنابعة من متطلب وطني، هي وليدة الحاجات الداخلية الضاغطة، وليست وليدة الحاجات الخارجية، كما يدعي النظام، بل إن الإرادة الشعبية الفولاذية – بذراعها الاحتجاجي السلمي – هي قوام الثورة وأساسها، وأن جميع المواقف العربية والإقليمية والدولية هي عوامل تابعة ومساعدة، ترتفع وتنخفض تبعاً للعامل الثوري الداخلي المستقل، وهي المواقف التي لم ترق بعد إلى مصاف موقف الشارع الإحتجاجي المتمثل بإسقاط النظام السياسي السوري كاملاً.
ومن المعروف لكل ذي بصيرة، أن الشارع الإحتجاجي المعبر عن ضمير الشعب، قد قرر إسقاط النظام السياسي بكامل أركانه و رموزه – وليس النظام الأمني فقط – كهدف استراتيجي لا محيد عنه، وبناء نظام سياسي ديمقراطي ليبرالي تعددي، تمهيدا لإقامة الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية في الوقت الذي برهنت فيه تجربة الأشهر الثمانية المنصرمة من عمر الثورة ( خاصة للمشاركين في مؤتمرات فنادق العاصمة) أن أية مطالب أدنى من مطلب الشارع الاحتجاجي الداعي للتغيير الشامل ستضع أصحابها خارج السرب الشعبي، وأن النظام المتدثر بمقولة الحوار ما زال يراوغ ويلتف على المطالب الإصلاحية للشعب.
إن أي محلل سياسي أومواطن عادي، يعرف أن النظام السوري نظام شمولي مغلق تماماً، وممتنع عن الإصلاح بالمطلق، كونه مبنياً بمواد استبدادية متعددة ومترابطة، بل ومدسترة من خلال المادة -8- من (قمع، أمن، قانون طوارئ، الحزب القائد، سلطة رأس السلطة، الأحادية الفكرية والثقافية والسياسية….) لا يستطيع تجديد نفسه من الداخل، وسلوك سبيل الإصلاحات إلا تحت ضغط الشارع الاحتجاجي، المستمر والمنظم والسلمي، والتي لا تُنتج بمحصلاتها النهائية غير الأشكال الديكورية دون المضامين الجوهرية.
إن البذر الثوري الذي زرعه الشارع الإحتجاجي منذ ثمانية أشهر خلت سيأتي أُكله قريباً، ويتحول من الموجود بالقوة إلى الموجود بالفعل، لمعرفة هذا الشارع أن انهيار النظام الشمولي لا يتم إلا دفعة واحدة، وذلك لأسباب هيكلية تتعلق بطبيعة النظام، وعلى شاكلة الأنظمة الشمولية المنهارة في كل من الاتحاد السوفييتي، بولندا، بلغاريا، رومانيا، هنغاريا، يوغسلافيا، تونس، ليبيا…..
لقد وعى الشعب من خلال معايشة الواقع الموضوعي، أن كلفة بقاء النظام القائم أعلى من كلفة تغييره أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث أن بقاءه لا يعني سوى استمرار تدهور الحالة الوطنية على كافة المستويات، والتي جاءت الثورة أصلا لوقفها وتغيير مسارها، لذا فقد قرر الشعب السوري إكمال مسيرته الثورية إلى نهاياتها المطلوبة، والمتجهة صوب ولوج الحداثة السياسية – الديمقراطية – باعتبارها جسر العبور للحداثات الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبناء مجتمع عصري أساسه المواطنة.
أما بالنسبة لخطة جامعة الدول العربية فنقول: كان من الأجدر قبل الإعلان عنها أن يتم الاعتراف بالمعارضة السورية أولاً ، تمهيداً للاجتماع بها واطلاعها على بنودها لدراستها وإبداء ملاحظاتها حولها، باعتبارها الطرف الأول في الخطة ، وذلك قبل الإقدام على طرحها وفرض صيغة الأمر الواقع عليها ، والاكتفاء باستحصال موافقة النظام السوري عليها ، بعد مرور وقت غير قليل، والذي تحفظ على الكثير من بنودها .
إن أي تحرك عربي أو إقليمي أو دولي لا يكون مبنياً على فكرة الانتقال السلمي للسلطة ورحيل النظام سيكون مآله الفشل ، وسيرفضه الشعب السوري الذي لا يقنع إلا بفترة انتقالية يتم تحديد مدتها من خلال المفاوضات حقناً للدماء ، والتي يمكن أن نطلق عليها( الانسحاب المنظم للنظام ) ، من خلال آليات يتم الاتفاق عليها ، وبضمانات عربية وإقليمية ودولية .
إن النظام السوري ومنذ تفجر ثورة الشعب يراوغ ويماطل في تطبيق الإصلاحات ، ويراهن على عامل الوقت لإجهاض الثورة ، وإضعاف الشارع الاحتجاجي من خلال اتباعه أسلوب الحل الأمني القاتل ، ولعل الكثير من المبادرات والمواقف والتصريحات العربية والإقليمية والدولية قد منحته الوقت الكافي لذلك، ولا ندري إن كان بعضهم يتذرع بالتداعيات الإقليمية لسقوط النظام، أو يخاف ولادة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي في سورية.
وإذا كان النظام السوري سيقوم فعلاً بإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة ( كما جاء في الفقرة – 3 – أولاً من خطة العمل العربية ) ، فإنه سيعمد إلى اتهام المسلحين سلفاً بخرق الاتفاق، وسيدعوهم لتسليم أنفسهم مع أسلحتهم ! ولن يقوم بأكثر من عملية إعادة انتشار لقواته العسكرية ، ووضعها على أبواب المدن والبلدات والقرى المحاصرة ، مع تكثيف دورياته العسكرية باللباس المدني ( وهي المسرحية التي عرضها أمام السفراء الأجانب ، بعد غزو قواته لمدينة حماة البطلة ، صبيحة أول أيام مضان ).
ولابد من الإشارة إلى أن النظام السوري يمتلك (17)جهازاً أمنياً ، والتي هي جيش بحد ذاته ، حيث أن أعدادها تزيد عن (100 ) ألف عنصر – عدا قطعان الشبيحة – مع التذكير أن الأجهزة الأمنية هي الحاكم الفعلي ومصنع القرار في البلد ، والتي تتقاسم قيادتها كلٌ من رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع ، وجميعها ستبقى منتشرة داخل المدن ، علاوة على أن جميع قلاعها الأمنية موجودة فيها ، وهي التي ستقوم باستكمال أعمال القتل والاعتقال والترويع ، وهذا ما لم تتطرق إليه خطة العمل العربية بتاتاً.
وباعتقادنا أن خطة العمل العربية الواردة في مشروع القرار الوزاري ، والتي تم الإعلان عنها لدى مقر الجامعة العربية ، قد ولدت ميتة لأسباب متعددة أهمها :
- إن النظام السوري لن يعمل على تنفيذ تعهداته بوقف العنف ضد المتظاهرين السلميين ، كون ذلك سيدفع بملايين السوريين إلى الشارع الاحتجاجي تعبيراً عن رفضهم لهذا النظام .
- النظام السوري نظام شمولي غير قابل للإصلاح الجوهري، أو الحوار، أو التفاوض ، حيث أن بنيته ترفض الاعتراف بالآخر الوطني ، والذي لا يؤمن إلا بالأحادية الفكرية والثقافية والسياسية وعليه فإما أن يُؤخذ النظام كله أو يبقى كله دون أية انتقائية .
- إن خطة العمل العربية تقوم على قاعدة بقاء النظام ، كونها تدعوا للحوار بين الأطراف عوضاً عن الدعوة للتفاوض على رحيل النظام .
- مساواة الخطة بين الضحية والجلاد ، في دعوتها لوقف العنف من قبل كافة الأطراف .
- إن إعطاء الخطة مهلة أسبوعين للتنفيذ لا يعني إلا المزيد من سفك دماء السوريين .
- لم تُحدد الخطة موضوعات الحوار .
- لم تُحدد الخطة آليات مراقبة التنفيذ .
- لم تُحدد الخطة أطراف المعارضة ولا القاعدة التي ستُتَبع في اختيارها.
وفي هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها ثورتنا الديمقراطية ، نهيب بجميع المعارضات السياسية السورية بكافة أطرافها، التوقف عن إثارة المعارك الأيديولوجية الجانبية ، وضرورة الإسراع بإنجاز كتلة وطنية ديمقراطية كبرى، على قاعدة إسقاط النظام دفعاً لاستغلال انقساماتها من قبل النظام السوري أمام اللجنة الوزارية العربية .
الخلاصة :
إن الشعب السوري الثائر، لن يَقنَع بأقل من تجميد عضوية النظام السوري لدى كافة مؤسسات وهيئات ومنظمات الجامعة العربية، باعتبارها بيت العرب.
فماذا أنتم فاعلون ؟!
فاتح الشيخ / كاتب سوري مقيم في ألمانيا