ارتكب حافظ الأسد كل أنواع الخسة والجريمة إلى أن تمكن من استلام السلطة فقتل وخان وسمسر وباع الأرض والشرف وغدر حتى بأصحابه وعصابته، وتوج سعيه إليها بحركة إجرامية اقصائية سماها الحركة التصحيحية، وفرض على السوريين الاحتفال بهذه المناسبة مدة ثلاثين سنة في طقوس أشبه بطقوس الوثنين للأصنام، نشر تماثيله وصوره في كل ركن وزاوية، أصبح وجه الكريه والحقود يطل على السوريين آناء الليل والنهار، وحول الطائفة التي ينتمي إليها إلى حماة لنظامه الذي لم يسع يوماً من الأيام من أجل مصلحة الطائفة، ارتكب المجازر في سورية، ثم أطلق لشقيقه المتوحش العنان ليمارس كل صنوف الجريمة ضد شعب ورث أقدم مدنية في التاريخ، ودخل نظامه الفاسد المستبد في دورة منهجية لتدمير سورية العظيمة، فأفلح في ترييف المدينة، وخلق واقع ديمغرافي جديد ملئ بالحساسيات والأحقاد الإثنية والطائفية، ودمر البرجوازية الوطنية وأحل محلها عصابات المال والجريمة.
وحول دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ وأجمل بقاع الدنيا وأكثرها صفاء وجمالاً والتي كانت تسمى في العالم بـ (شام شريف) إلى مدينة عشوائية ملوثة مزدحمة تعاني نقصاً حاداً في الخدمات وفي التنظيم، وتمتلئ حواريها باللصوص والقتلة والعاهرات، المدينة التي كانت مزاراً ومهوى للأفئدة الطاهرة، تحولت على يد الأسد إلى تجمع كبير من الملاهي والكباريهات والسجون والمعتقلات وأفرع الأمن…هجر سكان مناطق من مكان لمكان لخلق أزمة شاملة في كل مكان في سورية، أطلق العنان لأسرته وعائلته وبعض معاونيه وأزلامه ليمارسوا كل شيء، لا يأبهون بعرف أو بقانون أو دستور أو مصلحة مجتمع.
تاجر وسمسر بالقضايا المحلية والإقليمية والدولية، وكلف السوريين تكاليف هائلة من ألاعيبه الشيطانية في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ضيق عليهم حتى بات السوري يحلم بعبوة زيت لأولاده، واعتدى على شعب بأكمله في كل لحظة من لحظات حكمه الجائر واللا إنساني، مات ولم يمت، فخلف معتوهاً محله، وعد الناس كثيراً وأحسن الناس الظن به طويلاً، دفعوا عقداً من أعمارهم، بما يعادل ربع مليار سنة (عدد السكان مضروبا بعدد سنوات حكم الابن) في انتظار ما لم يأت، ولن يأتي! وعندما فاض الكيل واستفحل الفساد والاستبداد أضعافا مضاعفة أكثر من العهد الدامي للأب، وذكره الناس بما وعد به قبل عقد من الزمان، شهر آلته العسكرية المبنية على أسس طائفية، والمدعومة بصمت دولي عرابه (إسرائيل)، والمسنودة من نظام الملالي القتلة في إيران ومافيات روسيا ودكتاتوري الصين و عصابات حزب الله في لبنان، وشبيحته المعتوهين الذين يفتقدون كل شيء، ولا يتوفر لديهم مطلقاً أي حس إنساني أو وعي حضاري أو رؤية واضحة للغد والوطن والأخوة….فأعملوا القتل في شعب أعزل، وهاهو اليوم يدفع طائفيته إلى لعب دور خطير لا يتمناه أي سوري، إذ زجها في حرب طائفية معلنة من طرف واحد دفاعاً عنه وعن المفسدين الذين حوله، حول أولويات النظام، من استبداد مدعوم بالفساد على عهد الأب المقبور، إلى فساد محمي بالاستبداد في عهد الابن الملعون… كانت كلفة هذه الخيانة للأمة باهظة الثمن على السوريين، لكنهم مصرون على دحر بشار وإسقاط نظامه الإجرامي مهما كان الثمن…
كل الناس الذي قتلوا بيد النظام شهداء الحرية وكل الجرحى والمعتقلين والمهجرين … كل المتظاهرين من أجل وطن يستحق الفداء، هم أيقونات للزمن القادم، من واجبنا تجاههم أن نتذكرهم وأن نتمثلهم ونقتدي بهم… كلهم يوغلون في رياض قلوبنا ليعيشوا فيها… ما يبرز من قصصهم لن يخفي عنا ما يخفى….
ما زلت أعيش بألم شديد حال تلك الفتاة التي قتلوها ومثلوا بجسدها الطاهر من أجل لعبة إعلامية قذرة، وما زال قلبي مع زينب الحصني التي لا يعلم أحد إن كانت حية أو ميتة، لله درك يا طاهر السباعي، يوم استشهدت اتصل صديقك بوالدك ليقول له وهو يبكي: يا عم طاهر قتل، فرد الأب العظيم : لا تبكي يا ولدي وقل لي مبروك يا عمي طاهر استشهد! طاهر طالب الهندسة المعمارية الذي كان ينتظر أن يتخرج قريباً ليعمر بلده، قضى بيد الإجرام الاسدي الطائفي، ألف رحمة على روحك يا طاهر…
عبير الصافي الملقبة بفتاة السماء استشهدت يوم الأربعاء 19-10-2011 عن عمر 20 سنة حيث كانت تشارك في مظاهرة بمنطقة بابا عمرو وكانت قد أصيبت بطلق ناري على أيدي شبيحة النظام السوري المجرم نقلت على إثرها لمشفى الوعر واستشهدت هناك، عبير لم ترتض الانحياز الطائفي، كانت أوعى من النظام وعبيده، انحازت إلى الحق والعدل، ووقفت ضد القمع والإجرام، فكان جزاؤها رصاصة في ألراس ممن يدعي أنه يحميها طائفياً، عبير الصافي اسم على مسمى، ستبقى تعبق في غدنا السوري، وتضيء أيقونة سحرية طاهرة، وسندرس أطفالنا وأجيالنا القادمة سيرتها وبطولتها بدلاً من السير الكاذبة للجزار الأب والجزار الابن، سندفع أجيالنا لأن يأخذوا قيمهم من النبع الصافي والعبير الفواح زهرة الشهداء عبير الصافي رحمها الله، بدلاً من قيم البعث اللعين ومبادئ الأسدين الدنيئة.
من يدعي أن مستقبل سورية غامض بعد سقوط النظام كذاب أشر، هذه هي سورية التي يرسم ملامحها شهداؤنا الطاهرون رحمة الله عليهم… ولا عزاء للقتلة والمجرمين..
افعل ما شئت يا بشار… لن ترحل، إنما ستدفن في قبر أبيك، وسيتحول قبركما إلى (مبولة)، نبشرك يا بشار بنهاية تفوق نهاية الجرذ الليبي إذلالاً وعاراً… وستكون أنت بالذات العبرة الكبرى لكل طغاة العالم اليوم وغداً… مثلما سيذكر التاريخ سيرة أبيك وسيرتك وسيرة عائلتك كأسوأ وحوش مروا على البشرية، سيذكر التاريخ المصير الفظيع الذي تلقاه في الدنيا قبل الآخرة.
أسوأ حقبة مرت على البشرية أوشكت على الانتهاء، الحقبة الأسدية اللعينة التي نتمنى أن تنتهي بنهاية عائلة الأسد ومن ارتكبوا من أجلهم الجرائم وحدهم، وان لا تطال المزيد ممن ينحازون إلى القتلة…
في لحظة تمنيت لو أن الليبيين لم يقتلوا القذافي، ولو أنهم تركوه لمحاكمته، لكن إذ تذكرتك وتذكرت تراث أبيك يا بشار المجرم… أدركت أنهم على حق، وفهمت سر قتلهم للطاغية.
زمن الطغاة انتهى… إنه دورك يا بشار.