يتسائل السوريون بمرارة ، كيف يمكن لجيش الوطن القيام بمهام داخلية قمعية ممثلة بحصار المدن والبلدات والقرى على امتداد ساحة الوطن ، واستعمال صنوف الاسلحة الثلاث في قتل أبناء الشعب والتكنيل بهم وترويعهم ؟ وتحول المؤسسة العسكرية الرسمية الى قاهر أساسي أمام تقدم ثورة الحرية والكرامة ، التي فجرها شعبنا المجاهد لإسقاط النظام السوري القاتل كمقدمة لإقامة نظام وطني ديمقراطي تعددي تسوده الحرية والعدالة .
بداية نقول إن المؤسسة العسكرية السورية كانت وما زالت مصنع القرار ، وصاحبة السلطة الفعلية في البلد منذ قرابة خمسة عقود ، عندما قامت اللجنة العسكرية – البعثية وتكتلها السياسي – الطائفي بالاستيلاء على السلطة عام 1963 ، وأطاحت بالحكم الانفصالي – البرلماني ، تحت ذريعة اعادة الوحدة المصرية السورية إلى سابق عهدها!
وقد ترتب على الأنقلاب المذكور سيطرة العسكر على الشأن السياسي ، والقضاء على الحياة السياسية التعددية الحيوية ، ونأي الجيش عن التدخل في الشؤون السياسية ، إلى القيام بفرض الأحادية الأيديولوجية والثقافية والسياسية ، والغاء كافة المظاهر الديمقراطية من دستور وأحزاب وحريات وصحافة حره ومؤسسات مجتمع أهلي ومدني ، وبدء العمل بقانون الطوارئ ، وأدخال اللوثة السياسية دستورياً – المادة 8 – واللوثة الطائفية عملياً بغطاء من الأولى ، لكافة مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة الجيش ، التي تعرضت للعديد من التصفيات والتسريحات للضباط الأكفاء وعلى أُسس سياسية وطائفية مقيتة ، والأخذ بمبدأ الفعل الانشطاري سواءً ضمن التشكيل والتراتب العسكري الواحد ، أو بين التشكيلات والتراتبيات المختلفة ، مما يعني استخدام البنى الأهلية ما قبل الدولتية في بناء الجيش وصولاً إلى خلق جيش أهلي خاص .
وهذا ما أدى إلى الإخلال بالتوازنات التمثيلية داخل المؤسسة العسكرية بشكل خاص ، ومؤسسات الدولة الأخرى بشكل عام ، والتمييز بين المواطنيين على أسس سياسية وطائفية بحته ، بما يتنافى ومبدأ المواطنة الداعي إلى تساوي المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات سواء في الحياة المدنية أو العسكرية وبغض النظر عن انتماءاتهم المتعددة والمتباينة.
إن أشباع غريزة شهوة السلطة لدى بعض العسكريين ، كان الدافع الأساسي لركوبهم مركب السلطة والاستيلاء عليها بالقوة ، والقيام باستثمار الخلافات السياسية والتمايزات الدينية والعصبيات الطائفية الضيقة للبقاء في السلطة ، واتباع سياسة حرب الكل ضد الكل ، مما أضر بالوحدة الوطنية وعرض المجال السياسي الوطني للأضطراب .
وللتعمية على الحكم العسكري المباشر قامت السلطة بطرح شعارات فوق وطنية ، واستوردت من دول المعسكر الشيوعي السابق صيغاً سياسية ديكورية متعددة وألبستها الواقع السوري المختلف – صاحب التجربة الديمقراطية خلال فترة الخمسينيات – مثل ( الجبهة الوطنية لحزب السلطة – الديمقراطية الشعبية – الجيش الشعبي – الجيش العقائدي …).
وخلال العقود الخمسة المنصرمة قام العسكر بأدارة شؤون الحكم بطريقتين مختلفتين متتاليتين ، ولكن بمضمون واحد:
الطريقة الاولى / من خلال الأدارة غير المباشرة للسلطة ومن وراء ستار ، وبأدوات أيدلوجية اكراهية – عسكرية – أمنية – حزبية – شعبوية – مليشيوية …وصولاً لتصنيع نظام سياسي شمولي مغلق تماماً.
الطريقة الثانية / الإدارة المباشرة للسلطة من قِبل حكم عسكري – أمني فاقع ، والذي طغى على المشهد السياسي السوري الدامي منذ تفجر الثورة الوطنية الديمقراطية في 15/03/2011.
ومن الضروري عند التعرض للمؤسسة العسكرية السورية التمييز بين قوتين:
– قوات النخبة / حرس جمهوري ، صاحبة مهمة حماية النظام القائم ، والمتميزة عن القوات التقليدية من حيث : التطوع – التدريب – التسلح – الرواتب – التعويضات – السكن – أماكن تواجد القوات القربية من مراكز النظام – اختيار العناصر الموالية سياسياً وطائفياً وعشائرياً وأسرياً.
– القوات التقليدية / والتي لا تتمتع بالمزايا المذكورة ، والمتميزة بانتشارها الجغرافي البعيد عن مراكز النظام ، ويغلب على عناصرها عدم التطوع والاكتفاء بأداء الجندية الالزامية العامة.
هل من تأسيس جديد للجيش السوري ؟
من المعروف أن تأسيس الجيش العربي السوري عام 1946 ، بدأ بنواة الضباط الوطنيين الأحرار ، والمنتمين لكافة الملل والنحل والأعراق السورية ، والمدفوعين بوطنيتهم وشرفهم العسكري الرفيع إلى ترك وحداتهم العسكرية الطائفية ، العاملة تحت إمرة القيادة الفرنسية لما عرف حينها بجيش الشرق ، والملتحقين بالمقاومة الشعبية ضد الانتداب الفرنسي عام 1945 م .
فهل يعيد التاريخ العسكري السوري نفسه ، ويقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة المقترح ممثلاً بشرفاء الجيش الوطني الحر بتأسيس نواة لجيش وطني سوري جديد ؟
ومن جانب آخر يقوم النظام الحاكم حالياً بخلق جيش جديد من قطعان الشبيحة موازي لجيش السلطة ، وليس للقمع الحالي فقط ، وإنما استعداداً وتهيئةً لحرب أهلية يدفع إليها لنظام دفعاً لتثبيت بقائه في السلطة والعمل على إشعال هذه الحرب بشتى السبل والوسائل (لعن الله الفتنة ومن أيقظها)
السيناريوهات المحتملة لموقف الجيش من الأوضاع الحالية :
– انسحاب الوحدات العسكرية لثكناتها.
– دخول الجيش في معركة مزدوجة داخلية وخارجية.
– قيام أنقلاب عسكري مدعوم من الخارج يطيح بالنظام.
– انشقاقات عسكرية كبيرة أو صغيرة متنقلة قد تتحول الى حرب عصابات شبه نظامية.
– مواجهة عسكرية – مدنية .
-استمرار تماسك الجيش.
– وجود أكثر من سيناريو في وقت واحد
مع تأييدنا التام للثورة السلمية – المدنية التي يخوضها شعبنا المجاهد ضد الطغمة الحاكمة ، و رفضنا المطلق لعسكرة الثورة أولاً والتجييش الطائفي ثانياً والمواجهة العسكرية – المدنية ثالثاً .
سيناريوهات للحوار . ما العمل ؟