التغيير الحقيقي الفعلي نحو الديمقراطية الحقيقية لا يأتي من أحزاب وأيديولوجيات، لأنها تقدم الأيديولوجية على الديمقراطية، الحرية تنبع من وعي الشعوب الحقيقي وثورتها الحقيقية، وفي هذه اللحظة قد تصبح هذه الأحزاب وحتى الشخصيات الحزبية سابقا عائقا في سبيل هذه الحرية. فالحرية الشعبية تأتي من تراث الشعب وأفكاره وعاداته وحضارته العربية والإسلامية المتنوعة لا من أفكار حزبية مستوردة من أفكار فلاسفة غربيين وشرقيين لم تنجح في إقامة دول ديمقراطية حتى في الدول التي نشأت أو حكمت فيها مثل روسيا والصين.
هذا الموضوع لا يهدف لتجميع المعارضة كيفما اتفق، ولا يهدف لزيادة فرقتها، فهي متفرقة أصلا ولم تفلح النداءات والدماء والعذابات في تجميعها منذ أشهر، الهدف هو توضيح حقائق مهمة جدا وخطيرة على الثورة السورية ومصيرها في إسقاط النظام بالكامل وطلب الحماية الدولية، كما إن الموضوع مهم في مجال التوعية الشعبية ضد سرقة الثورات بعد سقوط النظام، وهو ينطبق على كافة الثورات العربية والعالمية.
لقد شد انتباهي قبل أيام هذه المقارنة التي وجدتها منتشرة في عدد من صفحات الإنترنت، فقررت كتابة موضوع يزيد من توضيح الأمر:
“المجلس الوطني الليبي ….المجلس الوطني السوري – مقارنة
1- المجلس الليبي قام دخل الاراضي الليبية وليس الفنادق الاوروبية
2-المجلس الليبي اغلبه من شخصيات داخل ليبية المجلس السوري اغلبهم من خارج سورية
3- المجلس الوطني الليبي لم يتردد في طلب وقبول اي قرار دولي يحمي شعبة المجلس السوري يرفض اي قرار يهدد الجيش السوري الذي يقتل الشعب السوري
4- المجلس الوطني الليبي اعطى روسيا كرت احمر من البداية المجلس الوطني وواجهته كلهم من الرفاق الشيوعين الذين قبلتهم الكرملين
5- المجلس الوطني الليبي اعلن دولة اساسها الاسلام بما يتفق مع توجهات اغلب الشعب الليبي المجلس الوطني السوري حريص على العلمانية التي وفرت غطاء لاستبداد الاقلية
واخيرا اي مجلس لا يقبل بالمرجعية الاسلامية للدولة السورية سوف يسقط”. أ.هـ
في فترة الاستعمار الفرنسي عملت شخصيات وطنية وشعبية على مقاومته لنيل الاستقلال، وقد تجمعوا فيما سمي بـ “الكتلة الوطنية”، وهي كتلة من القيادات الشعبية المحافظة والمنفتحة على العصر، ويمكن تشبيهها بالمجلس الانتقالي الليبي، وقد تداولوا السلطة في سوريا مع غيرهم في الفترة ما قبل الوحدة مع مصر، وكان عهدهم مليء بالحرية والديمقراطية، صحيح أنها لم تكن ديمقراطية مثالية، لكنها أفضل من أي ديمقراطية عربية حتى الآن.
في هذه الأثناء تكونت مجموعات من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والقومية (وتسمى كلها اليسارية)، ولم تنجح أي منها في الوصول للحكم عبر الانتخابات فهي تفتقد لشعبية كافية في الشارع، وتفتقر للجذور التاريخية والحضارية في بلاد العرب، وكانت تتنافس في ما بينها للوصول للحكم، وبعد أن نجح حزب البعث العربي الاشتراكي في الوصول للحكم عبر انقلاب عسكري، نجد أنه قام بمحو الكتلة الوطنية تقريبا، ثم حوال القضاء نهائيا على الإخوان المسلمين وعمل على اجتثاثهم، لكنهم لم ينقرضوا مثل الكتلة الوطنية لأنهم أكثر تنظيما منها، بينما لم يقم النظام بالقضاء على الأحزاب الاشتراكية والشيوعية الأخرى لأنها مماثلة له في المرجعية الفكرية الماركسية، رغم أنه اضطهد وسجن التيارات والشخصيات المعارضة منهم.
وهذه الأحزاب اليسارية كان فيها تيارات مؤيدة لنظام الأسد فأصبحت هي الجبهة التقدمية، وتيارات أخرى عارضت نظام الأسد، لكنها تظل غير معارضة له ولحزب البعث بشكل جذري، ولذلك تعرضوا للسجن ولكنه كان سجنا مرفّها مقارنة بسجون الإخوان المسلمين وسجون المتظاهرين الآن، إذ يمكن أحيانا لأهليهم زيارتهم، وتنتشر في وسائل الإعلام بعض الأخبار عن إضراباتهم عن الطعام مثلا، كما انتشر كثير من اليساريين في الخارج، لكن كثيرا منهم يستطيع العودة مثل بعض من جاء من باريس لمؤتمر حلبون في ريف دمشق دون أن يُلقى القبض عليه!! كما يوجد تيارات وأفراد وطنية شريفة في هذه الأحزاب أعجبتها الشعارات البراقة الكاذبة لهذه الأحزاب، فقررت أن تطبق هذه الشعارات فعلا لا كذبا، لكنها غالبا لن تكون قادرة على ذلك، لأن قيادات هذه الأحزاب وأيضا مؤسسيها الأصليين لم يقودوا ويؤسسوا هذه الأحزاب بهذه الشعارات البراقة من أجل تطبيقها وإنما لخداع الشعوب والوصول للحكم.
من هنا مبدأيا يجب الحذر من كل معارضة تنتمي حاليا أو سابقا لأي حزب شيوعي أو اشتراكي أو قومي أو اجتماعي (يساري)، ويجمع بين كل هؤلاء المرجعية الماركسية وأفكار كارل ماركس، لكن بالتأكيد يوجد منهم شرفاء على مستوى أفراد أو تيارات صغيرة، ومن الصعب جدا التعرف إليهم والتأكد منهم والتمييز بين الصادق من الكاذب منهم، لأن هذه الأحزاب تنتهج الكذب والدجل والخديعة تماما مثل ما يفعل نظام الأسد الذي تعلم ذلك من حزب البعث الاشتراكي والاتحاد السوفياتي بقيادة الحزب الشيوعي.
هذه الثورة الشعبية هي أشبه بالثورة الشعبية السورية الأولى ضد الاستعمار الفرنسي، وهي ثورة غير مسيسية ولا محزبة، ولم تأت من أجل توحيد المعارضة، ولا لتحقيق أي أهداف لأي حزب معارض، هذه الثورة يجب أن تكون هي قائدة نفسها وأن تفرز قياداتها من رحمها وتحذر من التعامل مع المعارضين الحزبيين خاصة من الأحزاب اليسارية ذات المرجعية الماركسية، فهذه الأحزاب تاريخها مليء بسرقة الثورات في كافة أنحاء العالم في القرن العشرين خاصة في أوروبا الشرقية وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ففي جزيرة كوبا مثلا قامت ثورة في الستينات ضد الفساد والديكتاتورية، في البداية لم تكن الثورة شيوعية، ولكن قطف ثمارها الشيوعيين وتحولت كوبا إلى دولة شيوعية، وأظهر كاسترو شيوعتيه التي كان يخفيها أثناء الثورة، وحول كوبا الجميلة إلى دولة ذات نظام مماثل لنظام بشار الأسد وأسوأ من النظام الكوبي الذي كان قبله، والذي كان ربما مشابها لنظام مبارك وفيه بعض الحرية على الأقل. ومثل هذا السيناريو تكرر عشرات المرات، فالأحزاب ذات الخلفية الفكرية الماركسية أحزاب انتهازية عندها الغاية تبرر الوسيلة، ولهذا فهي الأقدر على سرقة الثورات، فلنحذر أن نثق بها أو نسلمها القيادة.
لا شك طبعا بوجود أحزاب يسارية صادقة ترفع شعار الاجتماعية في الدول الغربية، وهي لا تنطلق من الأيديولوجية الماركسية، بل من أفكار بعضها اجتماعية وبعضها دينية كاثوليكية، ويطلق عليها الاشتراكية الفابية، وهذا النوع من الأحزاب الاشتراكية غير موجود منه البلاد العربية، كما يوجد نوع من الأحزاب الاشتراكية الماركسية في الغرب لا تنطلق من الطريقة اللينينية الانقلابية في الوصول للحكم، وإنما بالوسائل الديمقراطية، وهذه يمكن التعامل معها وقبول مشاركتها في العمل السياسي الديمقراطي، ولكنها تظل لا تمثل التيار الأغلب في المجتمعات العربية، كما أنها تظل حاملة فكر ذو جذور وأهداف مستوردة من خارج الوطن العربي.