أبسط كلمة يمكن أن تقال عن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة إنه خطاب مفلس؛ حمل تناقضات كان من السهل على المتابع العادي، وليس المتخصص سياسيا، ملاحظتها وبشكل واضح، سواء عن الأوضاع العربية، أو القضية الفلسطينية.
فبينما كان الرئيس أوباما يشيد بالشارع العربي المنتفض، كان يشدد على أمن إسرائيل مقابل الشارع العربي الذي كان يمتدحه، وهذا أمر غريب، فإذا كان أوباما يعترف بأن العرب تواقون للحرية والديمقراطية، ويعلن وقوف بلاده معهم، أي العرب المطالبين بالحرية، فكيف يستنكر أوباما على الفلسطينيين المطالبة بدولتهم، وعبر الأمم المتحدة، ولماذا الحرية حق لكل العرب وإسرائيل بينما يحرم منها الفلسطينيون؟ أمر لا يستقيم!
أوباما، ومثله نتنياهو، يقولان إن السلام لا يمكن أن يتحقق عبر الأمم المتحدة، بل من خلال التفاوض، وهذا كلام غريب، فإذا كان عمر التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي عقودا من الزمان، سنين من أعمارنا وأمننا ومستقبلنا، ففي حال فشل التفاوض فما الحل؟ هل على الفلسطينيين أن يقوموا بجولات أخرى من التفاوض، فشلا بعد فشل؟ هذا عبث، وإن نادى به أوباما، ما دام التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد فشل، وتحت الرعاية الأميركية. ويكفي التذكير بأن الرئيس أوباما نفسه فشل في إقناع، أو حتى إجبار، رئيس الوزراء الإسرائيلي على وقف عمليات الاستيطان، فما الحل إذن؟ هل يتنازل الرئيس محمود عباس عن الحقوق الفلسطينية، أم أن المطلوب منه، أي عباس، أن يتحول إلى حسن نصر الله الإيراني، أو خالد مشعل، أو أسامة بن لادن؟ الطبيعي أن يذهب عباس إلى المؤسسات الشرعية من أجل الاحتكام أمامها، وهنا تكون الأمم المتحدة هي المكان المناسب، وهذا ما فعله عباس، وحسنا فعل.
إشكالية الرئيس الأميركي أنه لم يتنبه إلى أن خطابه الأخير بالأمم المتحدة كان متناقضا، وأوقعه في مأزق حقيقي، ولعدة أسباب، منها أن أوباما امتدح العرب دون أن ينصف الفلسطينيين، بينما كان المفترض أن أوباما بات يعي أن نتنياهو رجل لا يمكن الوثوق به، ولا يمكن أن يكون رجل سلام، والمأزق الآخر لأوباما أنه وقف موقف حماس نفسه من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث تعارض حماس، مثلها مثل إسرائيل، الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فحماس تريد إطالة الصراع لتجد لنفسها أرضية؛ حيث إن خالد مشعل ورفاقه لا يحيون إلا في النزاعات. والمأزق الآخر الذي وقع فيه أوباما أنه بات واضحا للعرب أنه ليس بمقدوره صنع السلام، وأنه لم يستطع الالتزام بما قاله للعرب يوم خاطبهم في القاهرة بداية حكمه.
وهناك نقطة جوهرية يتناساها الجميع، هي أن إسرائيل، نفسها، أُعلنت كدولة من خلال الأمم المتحدة بقرار التقسيم، فلماذا يُطلب من الفلسطينيين اليوم عدم التوجه إلى الأمم المتحدة؟
ولذا فإن خطاب أوباما خطاب مفلس، وما فعله عباس هو الأمر المنطقي والمطلوب، حتى لو استخدمت واشنطن الفيتو، فحينها سيكون أوباما قد سدد طعنة للعرب، وفي عز فورتهم المطالبة بإسقاط طغاة أمثال القذافي والأسد!