في بداية الثورة السورية كانت تغطية قناة الجزيرة لها ضعيفة، وكانت تغطية قناة العربية أفضل بكثير، وأفضل تغطية على ما أظن كانت لقناة BBC العربية، في ذاك الوقت كثر الحديث عن خيانة قناة الجزيرة للثورة السورية، واشتد غضب الشعب السوري عليها بسبب محاباتها لثورات أخرى على حساب الثورة السورية، وكثرت التفسيرات مثل ارتباط قطر بالنظام السوري، وارتباط قناة الجزيرة بالدعاية لمحور المقاومة الذي ثبت لدى الجميع فيما بعد أنه مجرد أكذوبة، وبرأيي أن قناة إخبارية كبيرة مثل قناة الجزيرة كان يجب عليها أن تكون على دراية مسبقة منذ تأسيسها بأن محور المقاومة مجرد أكذوبة، وكان يجب عليها أن تعمل على فضحه بدلا من الدعاية له، فهي قناة إخبارية متخصصة ويفترض أنها مسؤولة عن تقديم الحقيقة للشعوب.
في ذلك الوقت كتبت مقالا بعنوان قناة الجزيرة اندفاع في تغطية الثورة المصرية وإحجام عن الثورة السورية … ما الهدف؟ وأرى أنه من الضروري للجميع العودة إليه، توقعت فيه أن تضطر قناة الجزيرة في النهاية لتغطية الثورة السورية جيدا تحت الضغط الهائل والإحراج الذي تتعرض له، خاصة أن غيرها من القنوات كان يغطي الثورة السورية بشكل ممتاز، وخاصة أيضا أنها قد غطت الثورات العربية الأخرى بشكل أكبر من أي قناة إخبارية أخرى، وتوقعت في ذاك المقال أيضا أن تصبح تغطيتها للثورة السورية أكبر من تغطية أي قناة أخرى، وذلك لتحفظ ماء وجهها، وتعيد ثقة الشعوب العربية خاصة الشعب السوري لها، ثم توقعت بعد عودة الثقة بها أن تعمل بشكل غير مباشر على إعادة توجيه الثورة السوري لصالح النظام السوري أو لصالح إيران وروسيا والقوى السياسية المعارضة التي لا تمانع بنظام سوري جديد يحافظ على الارتباط بإيران وروسيا.
الآن في هذه الفترة وبعد عودة الثقة لقناة الجزيرة، يمكن رصد العديد الملاحظات، لاحظوا كيف أنها أغفلت الحديث عن خبر الإعلان في صفحة الثورة السورية عن “أحد إسقاط التعليم البعثي” سواء في قناة الأخبار التلفزيونية أو حتى في موقعها الإلكتروني، أما قناة العربية فقد ذكرت هذا الخبر ووضعته في موقعها مع أني شخصيا لا أحب قناة العربية كثيرا، أيضا الجزيرة ركزت على تغطية مؤتمر المعارضة الداخلية في ريف دمشق الذي أعلن رفض التدخل الدولي وإسقاط النظام الأمني، بمعنى رفض الحماية الدولية للمتظاهرين والإبقاء على حكم بشار، ولم تتحدث قناة الجزيرة أبدا عن خبر المجلس الوطني السوري في اسطنبول الذي أعلنت عنه الناشطة بسمة قضماني، أدخل صفحة المجلس السوري الوطني فلن تجد فيه أي بوست لخبر الإعلان عنه في موقع الجزيرة، وجرب مثلا أن تضع الجملة الآتية في محرك البحث غوغل، وهي تعني البحث عن “أحد إسقاط التعليم البعثي” فقط في صفحات موقع الجزيرة، النتيجة لن تجد شيئا:
“أحد إسقاط التعليم البعثي site:www.aljazeera.net”
الجزيرة الآن تغطيتها أكبر للثورة السورية من غيرها، وهي تهدف على ما يبدو إلى كسب أكبر تأييد ورضى وموثوقية من أجل بثّ الأفكار التي يرغبون بها سواء في تقاريرهم الإخبارية أو في طبيعة الضيوف الذين يستقبلوهم، لا تنسوا حلقة الاتجاه المعاكس الأولى، التي استفضافوا فيها ضيفا قويا مؤيدا لرواية النظام بوجود عصابات مسلحة، مقابل ضيف ضعيف (مع كل الاحترام والتقدير له) ليدافع عن الحقيقة ورواية الشعب السوري بعدم وجود عصابات مسلحة، وهذه ليست أول مرة تفعل هكذا الجزيرة، فهي في مبدأها القائم على الرأي والرأي الآخر، غالبا ما ترجح أحد الآراء التي ترغب به على الرأي الآخر بنفس هذه الطريقة التي شاهدناها في برنامج الاتجاه المعاكس، أو بطريقة أخرى بتكرار الرأي الذي يريدون والتركيز عليه أكثر من الرأي الآخر.
ولا تنسوا استضافتهم مرارا للمفكر د. عزمي بشارة الذي كان سابقا من مؤيدي النظام، ثم أصبح بعد الثورة مؤيدا فقط لفكرة المقاومة عند هذا النظام رغم أنها سقطت سقوطا مدويا، وقد ظل د. عزمي بشارة يحاول إقناع الثوار السوريين بقبول الإصلاح من النظام في الفترة التي أصبحوا ينادون فيها بإسقاطه، وعندما علا صوت المناداة بإعدام الرئيس، أصبح يحاول إقناعنا بقبول المبادرة العربية لأنها تضمن انتقالا تدريجيا للسلطة، وتحافظ على العقيدة الأمنية للنظام وهي المقاومة!!
أما تقاريرهم الإخبارية فهي فيها ميزة أنها أطول من غيرها وتحوي كمية أكبر من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو، ولكنها لا تركز على بث توعوي فكري بقدر تركيزها على تثوير عاطفي، بعكس غيرها من القنوات مثل قناة العربية التي تركز أكثر على شيء من التوعية الفكرية، ولكن أكره فيها أنه ينقصها قدر أكبر من تغطية الأخبار ومظاهرات البث المباشر والاهتمام بهموم الشارع العربي، أما قناة BBC فقد عملت مثلا تغطية محايدة لمؤتمر المعارضة الداخلية الأخير، وكانت منحازة فيه إلى الرأي الذي يرجح أنهم يعملون بضوء أخضر من النظام.
والنسبة لأي تقرير إخباري أو مقال أو كتاب فيوجد دائما فيها عنصرين، الأول هو الحقائق المجردة، والثاني هو الآراء، فأما الآراء فهي ليست حقائق ويجب أن نعرف أنها للاستئناس وتعبر عن أصحابها، وأما الحقائق فنأخذ بها إذا كانت صحيحة، مع الانتباه إلى عدم إيراد حقائق أخرى لا تخدم اتجاه القناة، وللتغلب على هذه المشكلة وأيضا للاطلاع على عدد أكبر من الآراء، فإني أنصح بشدة بتنويع مشاهدة جميع المصادر الإخبارية وعدم الاكتفاء بمصدر واحد حتى لو كان موثوقا، فإنه قد تغيب عنه بعض الأحداث أو يخطئ في بعض الآراء، وهذه النصيحة هي للمشاهد العادي وليس فقط للمختصين، ففي عصر الثورات أصبح من الواجب على كل مواطن عربي أن يكون لديه ولو حد أدنى من الوعي السياسي والإخباري.