كثر الحديث عن مؤتمر المعارضة الداخلية الذي جرى في مزرعة في ريف دمشق في قرية حلبون، وأهم مأخذين على هذا الاجتماع كان هو قرارهم بإسقاط النظام الأمني الاستبدادي دون التصريح بإسقاط النظام برمته، والمأخذ الثاني هو رفض التدخل الخارجي رغم أن الشعب المسكين الواقع تحت أشد صنوف العذاب، قد اختار تسمية إحدى الجمع بجمعة الحماية الدولية، فما هو السبب وما هو السر ليسمح النظام لهؤلاء بإقامة مؤتمرهم بسلام؟ خاصة وقد رأى الجميع كيف قتل النظام 15 متظاهرا سلميا قبل يوم من مؤتمر الإنقاذ برئاسة الأستاذ هيثم المالح في اسطنبول، والذي كان له فرع في دمشق في صالة في حي القابون.
هؤلاء المعارضين مع كامل الاحترام والتقدير لهم ولتاريخهم النضالي الذين أقاموا هذا المؤتمر هم ليسوا صنيعة مباشرة للنظام، وإنما أغلبهم ينتمي لنفس المرجعية الفكرية التي صنعت هذا النظام وصنعت حزب البعث الاشتراكي، فيوجد بينهم وبين النظام خلافات في الأسلوب وليس في الهدف النهائي، هؤلاء والنظام أيضا ينتمون لأحزاب ذات مرجعية ماركسية اشتراكية أو شيوعية.
الخلاف بين هذه الأحزاب مع بعضها وبين حزب البعث:
بعضهم يرى في الناصرية والقومية التطبيق الأفضل للمرجعية الماركسية، وبعضهم يراها في حزب البعث الاشتراكي، وبعضهم يراها في الحزب الشيوعي، وبعضهم يراها في أحزاب مشابهة مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي وغيرها، وهناك عدة أحنجة وانشقاقات في كل حزب من هذه الأحزاب، فالحزب الشيوعي مثلا فرع بكداش يرى في الديكتاتورية أفضل وسيلة لتطبيق الماركسية، ولكنه لم يكن مقبولا شعبيا، ولم ينجح في عمل أي انقلاب، بينما نجح حزب البعث في سرقة الحكم، ولذلك انضم هذا الفرع للجبهة الوطنية تحت جناح النظام لأنه اتفق معه في الوسيلة والهدف.
الخلاف بين أجنحة كل حزب من هذه الأحزاب:
مثلا هناك جناح آخر للحزب الشيوعي بقيادة رياض الترك، يختلف مع فرع بكداش في أسلوب الوصول إلى الهدف وهو تطبيق الماركسية، حيث يرى فرع رياض الترك الطريق للهدف في النضال السلمي لا الانقلابات العسكرية، لكن الهدف واحد ولا يوجد أي اختلاف جوهري حقيقي مع فرع بكداش، وينطبق هذا المثال تقريبا على فروع هذه الاحزاب جميعها.
وأحيانا لا يكون هناك خلاف فكري كبير وإنما على الأغلب صراعات شخصية ومنافسات بين الأجنحة المنشقة عن بعضها، ومن لا يكون من هذه الأجنحة في السلطة يضطر لأن يدعي أنه يريد الديمقراطية تماهيا مع الشعب، بينما غالبا هو يريدها مطية للوصول للحكم لا أكثر، وقد أثر عليهم وهج ثورة الشعب ويجعل خطاباهم أكثر ديمقراطية، ولكن جوهر الهدف الذي يريدونه لا يختلف كثيرا عن هدف نظام حزب البعث الاشتراكي، فهؤلاء يريدون تطبيق المرجعية الماركسية في نهاية المطاف.
خلاصة الفكرة:
الماركسية فكرة أسسها كارل ماركس، ويوجد لها جذور كثيرة في التاريخ، وهي غريبة عن بلادنا وتراثنا الحضاري العربي والإسلامي، ولم تنجح الماركسية في البلاد التي نشأت فيها، بل حل بها الدمار والديكتاتوريات العسكرية الغليظة، وهي أيضا فكرة غريبة عن طبيعة المجتمعات الغربية وتراثها الفكري، فلم تنجح للوصول للحكم فيها، بينما وصلت للحكم في روسيا أول مرة عن طريق انقلاب وثورة دموية راح ضحيتها أكثر من أربع ملايين روسي، وتم تأسيس الاتحاد السوفياتي بقوة الحديد والنار، وهذه الدولة أصبحت القدوة في الإجرام والبطش للمقبور حافظ الأسد.
هذه الماركسية من مخططها إنشاء عدد كبير من أفخاخ الصيد (أحزاب)، فإذا لم ينجح أحدها نجح الآخر، يختلف كل فخ عن الآخر في ظاهره وتشترك مع بعضها في جوهرها، يوجد لكل فخ عدة فروع بعضها ينتهج الديمقراطية للوصول للهدف وبعضها ينتهج الانقلابات، فإذا لم ينجح أسلوب أو إذا نحج ثم فشل، انتقلوا إلى التركيز على أسلوب آخر.
وهذه الأحزاب جميعها لا يوجد تنسيق أو اتفاق مباشر بينها، بل يوجد صراع وتنافس أحيانا يكون دموي، ولكن جوهرهم المشترك كفيل وحده بأن يكفل نوع من التسيق غير المقصود بينهم، ويكفل أن يوحدهم وقت الضرورة والخطر.