على مرأى جميع وسائل الإعلام في عصر المعلومات والإعلام، لم تخجل روسيا في تأييد جرائم عصابة القذافي والدفاع عنها في مجلس الأمن، ولم تخجل أيضا بالتصريح علنا أنها سوف تستخدم الفيتو ضد أي قرار أممي لإدانة النظام السوري إذا كان هدف المعارضة هو إسقاط النظام، بل وامتدت وقاحتها إلى اتهام أنبل ثورة سلمية بأن فيها عصابات مسلحة وإرهابيين، إنه نفس منطق العجرفة والصلف الذي لا تخجل إسرائيل من إعلانه، فحتى الدول الغربية تخجل من مثل هكذا تصريحات، وبالعودة لتاريخ روسيا نجد لها مئات المواقف الحقيرة ضد الشعوب المطالبة بحقوقها، والشعب الشيشاني أكبر نموذج على ذلك.
في هذا الموضوع لن أقوم بجمع تاريخ هذه المواقف، ولعلي أفعل إن شاء الله في موضوع آخر، ولكن في هذا الموضوع سأسلط الضوء على أغرب هذه المواقف وأشدها حقارة ونذالة، وهو موقف الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية من القضية الفلسطينية في مجلس الأمن عام 1947، ولكن سيقول البعض بأن المتعارف عليه أنه رغم حقارة مواقف الاتحاد السوفييتي ضد الشعوب عموما، إلا أنه مواقفه تجاه القضية الفلسطينية بالذات كان بدعمها وتأييدها، وسأثبت في هذا الموضوع بالأدلة القطعية ووثائق الأمم المتحدة أن موقفه هذا موقف كاذب وخسيس، وهو نفس الموقف المخادع لمحور المقاومة والممانعة الذي فضحته الثورة السورية.
إن الموقف السوفياتي والشيوعي أحقر وأنجس من مواقف الدول الغربية التي تعلن صراحة دعمها لإسرائيل، لأن الاتحاد السوفييتي سابقا وروسيا وحلفاءهم ينافقون ويخفون موقفهم الحقيقي، ومن البديهي أن العدو المنافق أخطر بكثير من العدو الظاهر، فقد قام مندوب الاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن “أندريه غروميكو” باقتراح قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية بعد أن كان الاتفاق على إبقاء وحدة أراضيها وإبقائها تحت الوصاية الدولية، وهذا التقسيم هو الذي حول إسرائيل من وطن قومي إلى دولة ذات سيادة، فالوطن القومي أشبه بإقليم كردستان العراقي، والدولة ذات السيادة هي دولة إسرائيل كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ولم يكتف مندوبو الكتلة الشيوعية بهذا الموقف، بل ألقوا بكل ثقلهم وضغوطهم على الدول الغربية للموافقة على التقسيم، ويعينهم في ذلك اللوبيات الصهيونية في الدول الغربية، وذلك لأن موقف الدول الغربية كان مؤيدا لاقتراح التقسيم ثم ما لبثوا أن تراجعوا عنه إلى اقتراح ببقاء فلسطين تحت الوصاية الدولية، ولكن الأهم في كل هذا هو خطابات مندوبي الكتلة الشيوعية، والتي أظهروا فيها دعما خرافيا للدولة الصهيونية وحق اليهود بإقامة دولتهم (زعموا)، والهجوم على العرب ووصفهم بأقذع الأوصاف، ووصف اليهود بأنهم أصحاب الحق الأصليين المساكين الذين يتعرضون للهجوم عليهم من قبل العرب المجرمين واللصوص المحتلين، على حد تعبيراتهم الحقيرة.
يقول الدكتور عبد الله عزام في كتابه السرطان الأحمر:
وجاء قرار التقسيم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في (29) نوفمبر (تشرين الثاني) سنة (1947م)، وقد فاز قرار التقسيم بأغلبية صوت واحد، وقد لعبت أمريكا وروسيا دورا كبيرا لاتخاذه ثم حول القرار إلى مجلس الأمن، وبمجرد أن ترامى إلى أسماع الفلسطينيين اتخاذ القرار قامت معارك دامية بينهم وبين اليهود، مما جعل أمريكا تراجع نفسها. وفي (4) آذار سنة (1947) اتخذ البيت االأبيض قرارا سريا بالعدول عن فكرة التقسيم إلى وضع فلسطين تحت وصاية دولية، ثم قدم (أوستن) المندوب الأمريكي فكرة الوصاية الدولية إلى مجلس الأمن: ووافق المندوب الفرنسي على اقتراح أمريكا. وإذا بالمندوب السوفياتي (غروميكو) يشتاط غضبا وقال في (19/3/1948): ليس من حق مجلس الأمن تبديل قرار الأمم المتحدة، ثم هاجم أمريكا وقال: نحمل أمريكا نتائج إيقاف قرار التقسيم، ونحن نعلم أن أمريكا حريصة على البترول وعلى استراتيجية الشرق الأوسط).
وفي (16/4/1948) قال غروميكو [أنظر كتاب الشيوعية وليدة الصهيونية ص(100) فما بعدها، وكتاب دور الدول الإشتراكية في تكوين إسرائيل للدكتور إبراهيم الشريف نقلا عن محاضرة مجلس الأمن من (5-20) آذار سنة (1948)]. (من الضروري انسحاب العصابات العربية المسلحة من فلسطين، وعلى الأمم المتحدة أن تنزل العقوبة الرادعة التي تعيد الى العرب رشدهم، إن من حق اليهود أن يجدوا معاملة خاصة ورعاية كذلك).
ثم هدد باسم الإتحاد السوفياتي أنه سيستعمل القوة لصيانة الأمن وحماية الدولة اليهودية.
أما تشيكوسلوفاكيا: فلقد كان لأسلحتها وسفنها ورجالها أثر كبير في رجحان كفة اليهود خاصة أثناء الهدنة بين العرب واليهود سنة (1948)، وقد قال مندوبها في الأمم المتحدة: (إن وجود دولة يهودية في فلسطين سيساعد على تطور الحركات والنظم الديمقراطية في الشرق.
أما يوغسلافيا: فهي أكثر دولة شرقية تتبادل المنتوجات مع إسرائيل حتى الآن، وتستورد من الحمضيات والكيماويات والصناعات الإسرائيلية، وقد قالت في الأمم المتحدة: (إن قرار التقسيم لا يعطي اليهود كل حقهم، وعلى العرب أن يقدروا تضحية اليهود بقبول التقسيم).
وفي هذه الفترة من سنة (1948) كان رئيس مجلس الأمن من نصيب (اوكرانيا) الشيوعية وكان موضوع البحث قضية فلسطين. وكم كانت دهشة الأعضاء عندما نادى هذا الرئيس مندوب الوكالة اليهودية بمندوب حكومة إسرائيل فكأنه اعتراف رسمي بدولتهم.
وأشد معركة خاضتها الدولة الإشتراكية هي معركة الإعتراف بإسرائيل كدولة وفي (14) أيار سنة (1947)، أعلنت الأمم المتحدة قيام دولة إسرائيل، وبعد عشر دقائق من إعلان قيام الدولة اليهودية انهالت على تل أبيب برقيات التهنئة، أولها من ترومان الزعيم الامريكي اليهودي. وبعد أربع دقائق جاءت برقية ستالين للسوفيات [دور الدول الإشتراكية ص (25) نقلا عن محاضرة مجلس الأمن والأمم المتحدة ربيع سنة (1948)].
المبحث الثاني: من أقوال الشيوعيين في الأمم المتحدة (في الهجوم على حق العرب ومناصرة اليهود):
يقول غروميكو (2/5/1947): (إن علينا أن نذكر دائما أن قضية فلسطين ليست سوى قضية اليهود. ولذا فلا مجال للبحث في هذه القضية بغير مراعاة مصالح اليهود والأخذ بعين الإعتبار قلقهم، ليس يهود فلسطين وحدهم بل اليهود في كل مكان) [التاريخ السري للعلاقات ص(118)، والمسلمون والحرب الرابعة ص(06)].
ويقول غروميكو (3/5/1947): (إن قضية فلسطين تهم كل اليهود، وهي تزعجهم وتزعجنا نحن السوفيات أيضا كلما ارتفع صياح العرب) [التاريخ السري للعلاقات ص(119)، والمسلمون والحرب الرابعة ص(63)].
مندوب بولندة (3/5/1947): (لا سلام بين العرب واليهود إلا بزوال الرجعية العربية).
مندوب تشيكوسلوفاكيا (5/5/1947): (يهود العالم ينتظرون منا أن ننصرهم).
مندوب يوغسلافيا (8/5/1947): (دعونا نتعاون جميعا في خدمة الشعب اليهودي، لقد عانى من العذاب ما فيه الكفاية وآن له ولنا أن يستقر به المطاف).
مندوب يوغسلافيا (01/5/1947): (هل أصبح الشعب الفلسطيني أهلا للإستقلال؟!).
مندوب بولندا (21/5/1947): (يجب مساعدة اليهود على بناء وطن قومي لهم في فلسطين).
غروميكو (14/5/1947): (باسم الشعب اليهودي نطالب بوطن قومي يهودي في فلسطين).
تشيكوسلوفاكيا (8/01/1947): (اليهود بحاجة إلى حضانتنا لا العرب).
الإتحاد السوفياتي (13/01/1947) يقول سيمون تسارابكين: أمام اللجنة السياسية المؤقتة: (من حق اليهود فرض سيادتهم على وطن لهم في فلسطين).
يوغسلافيا (14/01/1947): (افتقار العرب إلى الروح الإشتراكية هو سبب صلفهم مع اليهود).
تشيكوسلوفاكيا (16/01/1947): (يهود العالم يريدون فلسطين فيجب أن نتجاهل معارضة العرب).
الإتحاد السوفياتي (24/11/1947): (نحن مستعدون لتنفيذ قرار التقسيم بأنفسنا).
غروميكو (26/11/1947): (ما يقوله المندوبون العرب الرسميون، لا يعبر عن مصالح الجماهير العربية التي ستتطلع يوما إل-ى موسكو تطلب معونتها للنضال ضد الرجعية).
بولندا (26/11/1947): (هناك مصالح مشتركة بين العرب واليهود على أساس الإشتراكية).
غروميكو (7/3/1947): (على الجميع أن يمتثلوا لقرار التقسيم).
غروميكو (03/3/1948): (سنلجأ إلى مختلف الوسائل لتنفيذ قرار التقسيم).
في (32/4/1948) قال غروميكو: (على الأمم المتحدة إنزال العقاب بالغزاة العرب).
(12/58491م) قال غروميكو: (الرجعيون العرب هم الذين يناوئون حركة التحرير الوطني اليهودية بفلسطين).
قال غروميكو: (إن مصلحة العرب واليهود واحدة في مكافحة الرجعية وفي تلاحم الأخوة الاشتراكية).
(2/12/1948) قال جاكوب مالك مندوب السوفيات في مجلس الأمن: (وجدت إسرائيل لتبقى حيث هي موطن أجدادها. وأعداؤها هم عملاء الإستعمار وشركات البترول) [المسلمون والحرب الرابعة ص(09) فما بعدها].
لقد سارع رئيس الوفد السوفياتي في الأمم المتحدة إثر التصويت لصالح قرار تقسيم فلسطين، فدخل إلى مكتبه وأخرج زجاجات الخمر وقدمها لأعضاء الوفد اليهودي، داعيا الجميع ليشربوا نخب (هذا النصر التاريخي الذي كانت الإخوة الإشتراكية الدولية تعمل من أجله منذ البداية) [المسلمون والحرب الرابعة ص(100) نقلا عن كتاب (دولة في مرحلة الولادة ) -دافيد هورفيتز].
هذا الكلام المنقول حرفيا من ملفات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، يصفع كل شيوعي أحمر يتشدق بمقاومة اليهود أو يتاجر باسم فلسطين، ويخدع الجاهلين الذين لا يعرفون من أمر الشيوعية سوى أنها مقاومة الإستعمار والإمبريالية والمساواة بين الناس وإقامة العدالة الإجتماعية وهدم الفوارق الطبقية!!.
لقد خدع الأغرار في بداية الأمر بشعارات الشيوعية ورايات البلشفية، فدخلوا فيها ظنا منهم أنها النجاة من الغول الغربي والأمريكي البشع الذي ذاقوا على يديه الويلات أثناء حكمه منطقة الشرق العربي والبلاد الإسلامية، وإذا به سراب خلب سرعان ما بان للناظر زيفه، وسحابة صيف عن قليل تقشع.
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
لقد سقطت أسهم الشيوعيين بعد مواقفهم المشينة تجاه القضايا الوطنية في سنة (1948) وسنة (1967)، وبعد الإطلاع على مخازيهم، فقدوا كثيرا من أنصارهم الذين كان بريق الدعاية قد أعشى أبصارهم، ثم فتحوا أعينهم فجأة على الحقائق المرة. أ.هـ