مع كل الاحترام والتحية والتقدير لـ د. برهان غليون، فقد كثر الخلاف والجدال حول شخصيته والمجلس الانتقالي الذي تم الإعلان عن تشكيله برئاسته وبدون استشارة أعضائه وبطريقة متسرعة، وقد رفض كثير من الأعضاء هذه الطريقة بالإعلان، كما رفضته الهيئة العامة للثورة السورية، في حين أن د. برهان غليون فلم يرفضه، وأما لشعب السوري المسكين الواقع تحت الذبح والقصف فقد اضطر للقبول بأي شيء من أجل الخلاص، وفي هذه الأثناء تحدث كثيرون عن شخصية د. برهان غليون وكفاءته للمرحلة، بالمقابل هناك حديث عن عدم القبول به كونه علمانيا، وكثر الخلاف والجدال في هذه الظروف العصيبة.
يقول لك مؤيدوه أنظر إلى حديثه الجميل عن الديمقراطية والتعددية ورده على أبواق النظام على الفضائيات، وابتعاده عن الطائفية، واجتماع سمات المعارض الناجح فيه.
أقول ولكن الكلام الجميل لوحده لا يعني الكثير، لنتذكر كيف خدعنا بشار بكلامه المعسول في بداية حكمه، فالعبرة بالأفكار لا بالحديث، كما أن حديثه في هذا الوقت تشوبه شبهة الدعاية الانتخابية. فأفكاره الأصلية قبل الثورة هي الحَكم، وهي أفكار ديمقراطية على أسس علمانية واشتراكية يسارية، وهذا يعني أنه ينتمي لتيار سياسي شبيه في أسسه الفكرية بحزب البعث الاشتراكي الذي يقوم عليه النظام السوري.
وفي حوار له على موقع الحوار المتمدن جاء فيه أنه أعلن في كتابه الحواريّ (الاختيار الديمقراطي في سورية) “أن المعارضة السورية التي تستمدّ قيمها من أفكار الاشتراكية حتى قبل أن تعيد تأسيس نفسها وتجدد شبابها، هي الوحيدة التي لا تزال تحمل راية الفكر الإنساني وقيم المساواة والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان!!”، كما قال بأنه يعترف بالمعارضات الأخرى ولا يصادر آراءها، ويعترف بالحوار، إلا أنه صرح بأنه يعتقد بأنها (أي الاشتراكية) هي الأصلح، وأنه يسعى لإقناع الرأي العام بذلك، وهذا طبعا حق له، ولكنّ هذا بعد إرساء الديمقراطية وحرية الرأي، أما الآن فهو على الأرجح لا يمثل بهذه الأفكار وهذه الشعارات الاشتراكية رغبة الشعب السوري.
إن هذه الشعارات هي نفس شعارات حزب البعث الاشتراكي المهترئة الكاذبة، فلا يوجد أي ضمانة على أن أي اشتراكية جديدة لن تعيد المأساة نفسها، ولكنه دافع عن هذه الشعارت بأنه لم يتخذها النظام السوري شعارات له لولا أن في تحقيقها مصالح اجتماعية كبيرة، وأن النظام لم يطبق هذه الشعارات، وفي هذا الدفاع مشكلتين، الأولى أنه لا ربما يزال أحيانا يفكر بنفس عقلية الفترة التي نشأ فيها حزب البعث، كما أنه لم يقدم في حديثه أي ضمانة بعدم قيام اشتراكيته بإعادة المأساة ولو بصورة أخرى.
والواقع أنه لا شخصية د. برهان غليون ولا تركيبة هذا المجلس بأغلبية يسارية وعلمانية تعبر عن تركيبة الشعب السوري ولا عن أغلبيته المحافظة، فالمجتمع السوري ليس علمانيا ولا يساريا بأغلبيته، الحقيقة أني شخصيا أرغب بمجلس رئيسه يمثل طبيعة معظم الشعب السوري، مثل ما أن مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي يمثل طبيعة معظم الشعب والثوار الليبين.
البعض يقول بأنها مجرد فترة انتقالية وبعد ذلك يختار الشعب ممثليه، ولكن هذه الفترة حساسة جدا، وعليها سوف يُبنى مستقبل سوريا، وعليها يتأسس الدستور، وفي إمكان المجلس أن يقودها للحرية والعدالة والديقمراطية، كما يمكنه أن يقودها للهاوية.
والبعض الآخر يقول أنا لست موافقا على د. برهان غليون، ولكن الشعب الذي أزال بشار قادر على إزالة مجلس غليون، أقول هذه الفكرة ربما تكون صحيحة، ولكنها ليست مضمونة دائما، فنحن لا نعلم بالغيب ولا كيف ستتطور الظروف الدولية، فهناك الكثير من التجارب والخبرات الشخصية ترجح أن المكتسبات الذي لا تأخذها في البداية قد يصعب عليك استدراكها لاحقا، لاحظوا كيف هو وضع تونس، فلا تزال بقايا النظام تمسك بالسلطة، ولم يتمكن الشباب الثوار بعد من إسقاطهم رغم تكرار المحاولات.
كما انتشر في هذه الفترة فيديو لبرهان غليون يهاجم فيه جميع رجال الدين والإسلاميين، وينتقد تسلطهم على الشارع، وتحالفهم مع الأنظمة المستبدة، وجهلهم بأمور الحياة، وللإنصاف فإن هذا الكلام فيه بعض الصحة، وينطبق كلام د. غليون على بعضهم، لكنه لا ينطبق على الجميع كما يقول، فهناك الكثير من المثقفين من رجال الدين والإسلاميين، ومنهم معتدلين، ولكن لماذا هاجم الجميع بدون استثناء وكأنه ربما يهاجم ما يجمع بينهم وهو الدين نفسه. أترك للقارئ أن يستنتج بنفسه.
هذه الإفكار هي بالضبط ما حذرت منه في موضوع سابق بعنوان انتبهوا لخدعة تقع بين التغيير تحت سقف النظام والتغيير تحت سقف الوطن