كتيبة بثينة شعبان

منذ عشرين عاما دخلنا مكتب بينة في اتحاد الكتاب العرب، أنا وصديقة شاعرة كانت في بداياتها، لرغبة منها أن تكون مقربة من مدرستها في الجامعة… كانت بثينة تتحدث عن ضرورة ترجمة النصوص التي تعزز قيم النهوض في المجتمع، دخل علينا الراحل ممدوح عدوان وسألني عن الفتاة (الجميلة) التي برفقتي، قلت له إنها شاعرة وكاتبة مقالة جيدة، وضع يده على كتفها وهو يتمم بقوله أهلا بك إلى عالم الكتاب، نفضت الفتاة يده بقوة، وقالت: إن كوني شاعرة لا يعني أني أصبحت مشاعاً… توتر الجو…جلس عدوان معتذراً.. نهضنا لنمشي… قالت بثينة موجهة كلاماً للفتاة بأنها إن كانت راغبة في النجاح عليها ألا تكون سلفية؟!

تلك أيام خلت… وعدوان ربما على عجره وبجره ربما كان أفضل من بثينة، مع أني لم أتلق منه الإجابة على سؤالي القديم الذي وجهته له: لماذا أتعرض للمساءلة الأمنية لأني اشتريت ديوانك (والليل الذي يسكنني) بينما أنت الذي كتبه لا يقترب منك أحد؟!

بثينة نتاج طبيعي لبيئة فاسدة، في الجامعة والاتحاد والحكومة وأخيراً في القصر الجمهوري، وأقصد بالاتحاد، اتحاد الكتاب العرب، فمنذ أن تأسس وهو دائرة أمنية لمراقبة وملاحقة الكتاب، ورصد كل تحركاتهم كجهاز إنذار مبكر، لم يقدم الاتحاد خلال أكثر من أربعين سنة موقفاً وطنياً مشرفاً، كان على الدوام يتلو بيانات السلطة ويحدد بها الإطار المسموح به للكتابة. كثيرون كان يعنيهم الأمر من أجل فوائد جانبية مثل أن يمرروا الكتب التي يبتاعونها من بيروت.

التقيت مرة علي عقلة عرسان (شخصياً)، كانت أمامه ورقة فيها أذونات سفر لأحد أعضاء الاتحاد ومن العاملين في طلائع البعث بمعية أبو موسى رئيس المنظمة الذي يقفز كالقرود في أمسيات المعسكرات الطلائعية، عضو الاتحاد الذي كنا نتندر بتسميته (أبو كيف) والذي حدثنا عنه كثيرون أن أمه لا تأمن على نفسها إذا اختلى بها، قلت لعرسان: هذا الشخص خلال سنة واحدة شارك في 8 مؤتمرات وندوات ممثلاً للاتحاد، في موضوعات تخص المرأة والطفل والشعر ودور الأدب وأدب المقاومة والتراث والترجمة….الخ، أليس في اتحادكم سواه في كل الاختصاصات؟!

خلال الاحتجاجات الأخيرة التي تحولت إلى ثورة خرجت علينا كتيبة من (الإعلاميين) غير الرسميين، لا يختلفون في بنيتهم عن الإداريين في اتحاد الكتاب، وفيهم من جاء إلى الاتحاد مستخدماً، يعد الشاي والقهوة، ثم تحول إلى (عضو) اتحاد… سمع كثيرا من جزافيات فايز خضور، وترجمات المرحوم ميخائيل عيد الركيكة عن البلغارية، فأدرك أن التحول إلى أديب لا يكلفه سوى كتابة جمل غير مفهومة. هذا (العضو) خرج علينا مراراً وتكراراً في الفضائيات مسبحا بحمد رئيسه مستعيذا من الجماعات المسلحة التي آمن بها غيبياً. أعتقد أن هذا الخليل يمثل (وش البسطة) في هذه الكتيبة التابعة لبثينة شعبان، والتي تخصص كل منها في اختصاص يخصه، من المربعات إلى البيشمركة إلى مسيرات الشكر على المطر والألعاب النارية في سماء حماة… وغير ذلك مما جاد به مخبولو السلطة وبلهائها… الذين أحياناً كانوا يخففون من توترنا بما يظهرونه من المواقف المضحكة… أظن أنهم كانوا ولازالوا أحد أدوات السلطة لمحاربة الثائرين، وذلك عبر القضاء عليهم بسلاح مبتكر… الموت ضحكاً!!

كتيبة بثينة شعبان التي تضم أسماء اشتهرت بصفاقتها وأكاذيبها، لا يتمثل موقفهم فقط في أكاذيب وتفسيرات عجائبية رخيصة، إنما هم لا يقلون إجراماً وهم يمجدون القاتل ويحرضونه على الإمعان في القتل، فطالب إبراهيم وشريف شحادة وأحمد الآغا وأحمد الحاج علي وأحمد صوان وفايز عزالدين وبسام أبوعبدالله وأنس الشامي وغيرهم هم شركاء النظام وبرقابهم كل الدماء التي سفكت، أستثني منهم التكروري الذي أجده مفيداً جداً ككركوز حاذق، أحتار في أمره، أهو يود الدفاع عن النظام، أم أنه يساهم في تحويله إلى مهزلة حقيقية.

لم تقتصر هذه الكتيبة على هؤلاء، إذ انضم إليهم عدد من الكتاب والفنانين، الذين خانوا الجماهير التي صنعتهم، وتنكروا لصيحات الحرية والكرامة من أجل مكاسب هزيلة من نظام ينهار يوماً بعد يوم.

هل خطر لهم أو خطر لرئيسة كتيبتهم أن يشاهدوا أنفسهم وهم يجهرون بفجورهم اللاإنساني؟ هل يشعرون بكم القذارة التي يتقلبون فيها من أجل من يجعلهم دون حذائه؟ هل يحسون بدناءة التضحية بوطن من أجل ظل عفن لقامة عجفاء؟ هل ينامون براحة ضمير كل يوم بعد كل هذا النفاق الرخيص والتزلف المهين لعصابة بددت الوطن ونحرت المواطنين؟

إنها أسئلة فوق مكانتهم بدون شك، ولن يكونوا بمستوى هذه الأسئلة، بل سينغمسون في مستنقع السلطة بإمرة المستشارة الإعلامية للسفاح.

لن يمحو الاعتذار المتأخر ذنوبكم، وفحشكم، فكل شاة من رجلها تناط، أنتم اخترتم معبودكم، وستحشرون معه في الدنيا قبل الآخرة…فالدم السوري ليس رخيصاً…وسيحاسبكم على كل موقف وكلمة.

كتيبة بثينة شعبان
تمرير للأعلى