في برنامج حديث الثورة على قناة الجزيرة الفضائية يوم جمعة الحرية – آزادي في سورية، استضيف د.عزمي بشارة وسألته مقدمة البرنامج حول حديث البعض خاصة قنوات النظام السوري بأن سوريا هي الدولة الوحيدة الواقفة في وجهة إسرائيل، وأن دعم الثورة فيها خيانة للقضية الفلسطينية، فأجاب بأن المفروض هو النظر للموضوع من زاوية دعم حقوق الشعوب، وليس من منطلق محور المقاومة أو محور الاعتدال الذي يحتم دعم بعض الثورات دون الآخر.
ينطلق د.عزمي بشارة من اعتبار أن موقف النظام السوري مؤيد للمقاومة ولا يهتم كثيرا بمن يشككون بهذا، وينصح النظام السوري بأن يكون من قوى المستقبل حيث ستصبح الديمقراطيات غالبة ويخطئ من يعتقد بأن حلول الديمقراطية خطر على المقاومة، وأنه لا يحق لأحد في الدنيا أن يقف في وجه حرية الشعوب تحت أي شعار لأنه يفقده صدقيته، وأن الوقوف في وجه حقوق الشعب سوف يجعلهم يكرهون المقاومة، وينصح بإيجاد طريقة للجمع بين المقاومة وإعطاء الحقوق والحرية والديمقراطية والمواطنة للشعب، وعلى اعتبار أن غالبية الشعب السوري تدعم المقاومة فسوف يكون بالتأكيد الخيار الديمقراطي مؤيدا للمقاومة أيضا، وأن القوى الليبرالية المؤيدة للغرب في الشعب السوري أقلية.
ما هو الخطأ في تحليل عزمي بشارة للثورة السورية؟
الخطأ في تحليل عزمي بشارة أنه ينطلق من تصديق ادعاءات النظام السوري الكاذبة، الذي يزعم أنه يمنع الحريات الشعبية بسبب دعم المقاومة، في حين يعلم أبسط مواطن سوري أن السبب الحقيقي لهذا المنع هو سيطرة العصابة البعثية الاشتراكية – الأسدية على الدولة واستخدامها الطائفية لإحكام سيطرتها، وأنها لا علاقة لها بالمقاومة الحقيقية لا من قريب ولا من بعيد، بل يعلم الجميع بأن حافظ الأسد قام بتسليم الجولان بدون أي قتال لإسرائيل، ناهيك عن تصريحات مخلوف التي أسقطت ورقة التوت عن عورة النظام.
ماذا يمكن أن تفهم من كلام د. عزمي بشارة حول سيناريو الحل؟
لكن من ناحية أخرى يمكن أن تستشف معنى آخر لهذا التحليل، إن الأنظمة الماركسية الشيوعية والاشتراكية قبل سقوط الاتحاد السوفياتي كانت قد سقطت اقتصاديا، فاضطرت لتغيير نهجها الاقتصادي دون النهج السياسي الديكاتوري القمعي، حيث تجد في الصين وروسيا انفتاح اقتصادي مع استمرار الديكاتورية السياسية والأمنية القمعية، ويمكن القول الآن بأن النظام السوري أصبح مجبرا على القبول أيضا بالانفتاح السياسي بسبب هذه الثورة الشعبية، لكن مع المحافظة على نفس التوجه السياسي الأصلي الذي يدعي المقاومة زيفا، ويقول د. عزمي بشارة إن الشعب سيختار بأغلبيته المقاومة أو ما هو في الواقع الخط السياسي السابق لكن مع وجود الانفتاح الديمقراطي، وهذا النموذج الجديد من الأنظمة اليسارية الديمقراطية له بعض السوابق كما في بعض دول أمريكا الجنوبية ولكن لأسباب تختلف عن الحالة الجديدة في سوريا، وقد تكون هذه مقدمة لانتشار هذا النموذج لكافة الدول ذات الإرث الماركسي واليساري مثل روسيا والصين وإيران.
هل انتهت المشكلة؟
إذا كانت هذه الدول سوف تعترف بالحريات وتسمح بانفتاح ديمقراطي سياسي إضافة للانفتاح السياسي، فهل انتهت المشكلة؟ وهل سوف تلتزم هذه الدول حقا بالديمقراطية؟ الجواب هو بالعودة إلى طبيعة وأيديولوجية هذه الدول وتاريخها في الإرهاب والإجرام والكذب والخداع والمراوغة، سنجد أنه ربما يتمس الاستعاضة عن الديكاتورية السياسية بنشر دعاية شعبية قوية تضمن لهم الفوز بالانتخابات الديمقراطية، أو ربما يمكننا الحديث عن محاولات تزوير للانتخابات، لكن بنسبة معقولة، مثلا 60% نسبة فوز الرئيس بدلا من 99.99%، وهنا يجب تفعيل وتأكيد دور المفكرين والمثقفين في نشر وتوعية الشعب باختيار الأفضل والأكفأ والأصدق، وليس الذي يدغدغ العواطف بالشعارات الرنانة الكاذبة مثل المقاومة، فالمقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الصهيوني ليست مجرد شعارات وخطابات كما يفعل النظام السوري وحزب الله، ولا هي مجرد حروب خاسرة ندعي الفوز بها مثل حروب حزب الله وحماس.
وهنا لا أتحدث عما سوف يفعله النظام السوري فعلا، ولا عما سوف يحصل بالفعل، ولكن عن الوجه الآخر لتحليل ونصائح د. عزمي بشارة والتي هي سيناريو محتمل جدا، يقوم على التضيحة بالنظام السوري الحالي واستبداله بنظام ظل شبيه بالسابق لكنه منفتح اقتصاديا وسياسيا وديمقراطيا، وقد لا يكون ذو أساس طائفي فج، لكنه على المدى البعيد يستخدم تكتيك طويل المدى من أجل النجاح في سيطرة القطب الشرقي المتمثل بالصين وروسيا على العالم بدلا من أمريكا والغرب، في كلتا الحالتين نحن أمام استعمار أجنبي، مع العلم أن تاريخ القطب الشرقي اليساري أكثر دموية من القطب الغربي باضعاف مضاعفة، والحل هو بنهوض العرب والمسلمين كقوة دولية إقليمة عالمية مستقلة، تتخذ من التراث العربي والإسلامي مرجعية لها، وتأخذ بالانفتاح الاقتصادي والسياسي، لكنها لا تنخدع بالدخول في تحالفات سياسية خاسرة مع الدول الكبرى مثل إيران أو الصين.