تحليل: التقارب المصري – الإيراني … ما أهدافه؟

أثارت تصريحات وزير الحارجية المصري الجديد بخصوص إعادة العلاقات مع إيران مخاوف الكثيرين من احتمال توجه الدولة المصرية الجديدة نحو المحور الإيراني، خاصة في هذا الوقت الذي تسوء فيه العلاقات الخليجية مع إيران، كما أن الثورات عادة في التاريخ تتجه تدريجيا في المرحلة الانتقالية نحو سياسات معارضة أو مناقضة للسياسات السابقة، كل هذه الأسباب تجعل من الضروري مراقبة الأوضاع المصرية الجديدة، لكن لا يمنع ذلك من التفاؤل الحذر لكون الأمور تحمل أكثر من وجه، هذا المقال يحاول تسليط الضوء على بعض احتمالات تفسر هذا التوجه.

التقارب المصري – الإيراني… ما أهدافه؟ عبد الحميد الأنصاري

 

لم يمض على توليه شهراً حتى عقد مؤتمراً صحافياً أعلن فيه تصريحات مثيرة وصفت بأنها ثورة في سياسة مصر الخارجية، إنه وزير خارجية الثورة المصرية د. نبيل العربي الذي قال: ‘إن إيران كدولة ليست عدواً لمصر، وإن القاهرة تفتح معها صفحة جديدة، وإنها- أي إيران- دولة صديقة، وإننا إذا كنا نفعل ذلك في مصر فنحن ننتظر ردهم في طهران، وإن مصر لا تمانع في أن تتلقى أي اتصال من ‘حزب الله’ بشرط ألا يؤدي ذلك إلى أي تدخل في شؤون لبنان’.

كانت لهذه التصريحات أصداءٌ غير مريحة في الأوساط الخليجية خصوصاً والعربية عامة، وأدت إلى جو من القلق والترقب في المنطقة، وظهرت تساؤلات عديدة عن مغزى هذه التصريحات؟ ولماذا ظهرت في هذا الوقت الذي تشكو فيه دول الخليج من التدخلات الإيرانية وتتهمها بالتآمر على أمنها الوطني؟ وهل تشكل العلاقة مع إيران أولوية مصرية في هذا الوقت؟ وما الأهداف التي تسعى إليها حكومة الثورة من تطبيع علاقاتها مع إيران مع أنها البادئة بقطعها إثر معاهدة السلام مع إسرائيل مارس 1979؟! وإلى أين تتجه مصر الثورة؟

من الطبيعي أن تتعدد التفسيرات وتنتشر الشائعات، فنحن أمام حدث يشكل انقلاباً كبيراً على ركيزة أساسية في السياسة الخارجية المصرية في العهد السابق، بنيت عليها علاقات وتحالفات وتوازنات استراتيجية قائمة ومستمرة إضافة إلى مصالح اقتصادية ضخمة، التفسير الأول يذهب إلى عدم تضخيم الحدث وتحميله ما لا يحتمل، إذ يرى أنه من الطبيعي لحكومة تمثل الثورة الجديدة أن تبدأ بفتح صفحة جديدة مع الدول والجماعات والتنظيمات كافة، وأن تمد يد السلام والتعاون مع الجميع من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والمصالح المشتركة للجميع بما فيها تلك الدول والجماعات التي كانت تعاديها أو تخاصمها أو تجافيها حكومات النظام السابق.

ومن هذا المنطلق، فإن المصلحة المصرية تقضي باستئناف العلاقة مع إيران كونها من أهم القوى الإقليمية في المنطقة وذلك لتحقيق المصالح المشتركة، ويضيف هذا التفسير: ‘أن دول مجلس التعاون لها سفارات في طهران فلماذا لا يكون لمصر سفير في طهران؟ وكان لافتاً للنظر في المؤتمر الصحافي في الدوحة عقب مباحثات الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء القطري والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري في معرض الرد على سؤال موجه للدكتور شرف حول العلاقة مع إيران في ضوء اعتبار أمن الخليج خطاً أحمر، تعقيب الشيخ حمد على إجابة د. شرف بقوله: ‘أنا أؤيد فعلاً أن تكون هناك علاقة بين مصر وإيران، وأن هذه العلاقات يمكن أن تصب في تنمية العلاقات مع الجانب الإيراني’، وأضاف: ‘إن كل دول التعاون لها سفارات في إيران، ونحن نثق أن مصر لن تقبل أن تكون لديها علاقات مع إيران بديلة لعلاقاتها مع دول التعاون’.

أما التفسير الثاني، فيرى في هذه العلاقة عامل ‘توازن استراتيجي’ يتيح لمصر حرية حركة أوسع في علاقاتها بإسرائيل، ومن منطلق أنه ليس من المعقول أن تكون هناك علاقات تطبيعية مع تل أبيب ولا تكون هناك علاقات مع طهران! ومن هنا يعتزم المجلس المصري للشؤون الخارجية زيارة طهران كجزء من الدبلوماسية الشعبية التي يراها في غاية الأهمية، وكانت طهران قد رحبت بالتوجه المصري الجديد، ودعت مصر إلى اتخاذ خطوة شجاعة لإعادة العلاقات من منطلق أن مصر وإيران ركنان من أركان العالم الإسلامي، وأن التعاون بينهما يساهم في تعزيز السلام والأمن في المنطقة.

هناك تفسير ثالث، يرى في تطبيع العلاقات المصرية – الإيرانية نوعاً من الاستجابة أو الاحتواء لمطالب قوى داخلية صارت شريكة في الثورة، كالناصريين والإخوان الذين يرون في إيران نصيراً للقضايا العربية، وهؤلاء أصبحوا اليوم مكوناً فاعلاً في توجيه السياسة الخارجية المصرية، ولا أدل من استقبال طهران للأمين العام لحزب العمل الإسلامي المصري مجدي حسين (المرشح الإسلامي المحتمل للرئاسة المصرية) بحفاوة، الذي صرح هناك بأن الثورة الإسلامية تركت أثراً بالغاً على المصريين الذين تأثروا بتعاليمها، فاستطاعوا أن يقهروا نظام مبارك، داعياً إلى بناء علاقات متينة بين الشعبين والحكومتين.

وكان المتحدث السابق باسم ‘إخوان أوروبا ‘ التنظيم العالمي لجماعة الإخوان في الغرب، د. كمال الهلباوي الذي زار طهران مرتين في فبراير الماضي قد صرح بأنه من أشد المعجبين بخامنئي ونجاد، وذلك للشجاعة التي يتحلى بها قادة إيران الذين يضرب بهم المثل، كما أشاد بالتأثيرات المباركة للثورة الإسلامية التي شملت العالم أجمع!

لكن جماعة ‘الإخوان’ في مصر قالت: إن الهلباوي يمثل نفسه وإنها ترفض أي تدخل خارجي في الشأن المصري، على أن أكثر التفسيرات سذاجة ذلك الذي يقول إن تصريحات د. العربي قصد منها أن تكون بالون اختبار أو ورقة ضغط على بعض القوى لتفعيل دعمها لمصر بشكل أكبر مما هو عليه! وفي هذا المعنى ينقل الكاتب الصحافي الكويتي فؤاد الهاشم عن مصادر لم يذكرها قولها: ‘إنه نظراً إلى حاجة مصر إلى 11 مليار دولار لاجتياز هذا الصيف العصيب، فإنه يمكن استخدام محاكمة الرئيس السابق مبارك وإيران كورقتي ضغط على دول الخليج: إما إعطاء مصر ما تريد أو تقديم مبارك للمحاكمة الفعلية، وفتح الباب على مصراعيه للعلاقات مع إيران’! أعتقد أن مصر ليست بحاجة إلى أن تلعب بهاتين الورقتين لضمان المساعدات الخليجية والدولية، كما أن مصر لديها من الموارد الداخلية ومن إسهامات جالياتها التي تقدر بـ8 ملايين مصري بالخارج ما يغنيها عن هذه المناورات، إضافة إلى أن محاكمة مبارك شأن داخلي مصري لا تتدخل فيه دول الخليج وليس من شيمها، كما أن علاقة الخليج بمصر أسمى وأكبر من أن ترتبط بهذه المراهنات العقيمة، ويكفي في دحض هذه الشائعة تصريح د. شرف في ختام زيارته إلى قطر: ‘الجميع يريد أن يتعاون مع مصر ويدعم مصر وأن تفتح صفحة جديدة خاصة في مجال الاستثمار مبنية على الشفافية والمصالح المشتركة’.

واستشعاراً من القيادة المصرية لتداعيات تصريحات العربي، كونها صدرت في وقت غير ملائم مع المجريات الحاصلة على الضفة الخليجية ورغبة في احتواء آثارها ولملمتها ووضعها في حجمها الطبيعي وإزالة أي سوء فهم أو لبس، سارعت لوضع حد لتلك الشائعات المغرضة كافة ولتأكيد طمأنة دول الخليج وتبديد مخاوفها تجاه استئناف علاقاتها بإيران عمدت إلى اتخاذ إجراءين: الأول عبر الدكتور العربي نفسه والذي أدلى بتصريحات أخرى يؤكد فيها أن منطقة الخليج تمثل عمقاً استراتيجياً أساسياً للأمن القومي المصري، وأن الحفاظ على الاستقرار في الخليج يمثل التزاماً قومياً وضرورة استراتيجية، وهو من أهم ثوابت السياسة المصرية التي تعتبر أن استقرار وعروبة دول الخليج خطوط حمراء لا تقبل مصر المساس بها، مؤكداً دعمه لنتائج اجتماع الوزراء الخليجي في شأن إيران، الثاني: عبر الجولة الخليجية التي قام بها د. شرف والوفد المرافق بدءاً بالسعودية فالكويت وانتهاءً بقطر، والتي حرص خلالها على تأكيد أن جولته جاءت للتعبير عن دعم بلاده لدول الخليج من منطلق أن أمن دول مجلس التعاون ليس مجرد خط أحمر لمصر، لكنه ‘حائط أحمر’ لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة، مضيفاً: أن مصر باركت دخول قوات ‘درع الجزيرة’ البحرين طبقاً للمعاهدات الموقعة بين دول مجلس التعاون، كما كرر د. شرف مرات عدة في الدول الخليجية التي زارها أن عروبة ووحدة وسلامة واستقرار دول الخليج تمثل التزاماً قومياً وعمقاً استراتيجياً للأمن القومي المصري، موضحاً أن محاولة مصر فتح صفحة جديدة مع إيران لا يمكن أن تتخطى أو تمس أمن الخليج، وحرص على تبديد شائعات وجود خلافات مع الإمارات، موضحاً أن اختلاف المواعيد وراء تأجيل الزيارة، وأنه سيزورها والبحرين وعمان في أقرب فرصة. في المقابل حرصت الإمارات على لسان مساعد وزير الخارجية على القول: إن رئيس الوزراء المصري موضع ترحيب دائم في الإمارات، وفي قطر حرص د. شرف في ختام زيارته على القول إنه لا خلاف بين قطر ومصر على مرشح الأمانة العامة للجامعة العربية، موضحاً أن أي دولة تتمنى أن يكون مرشحها هو الأمين العام القادم.

نقلا عن (الجريدة) الكويتية

تحليل: التقارب المصري – الإيراني … ما أهدافه؟
تمرير للأعلى