الثورة في سوريا قضية شائكة وكثيرة الالتباس، فعلى الرغم من معارضتنا التامة لكل نظام اشتراكي أو يساري ماركسي ومن ضمنها النظام في سوريا، ولهذا فقد ذكرنا عموما في موضوع سابق أن تغيير النظام الشمولي الديكتاتوري الخانق في سوريا إلى نظام ديمقراطي حقيقي هو أمر إيجابي كون ذلك اقل ضرراً ومفسدةً، وعلى الرغم من أن الثورات السلمية هي من أفضل الطرق للتخلص من الأنظمة الماركسية خاصة بعد الثورة التونسية، إلا أن الوضع في سوريا قد يكون ملتبسا ولا يمكن الجزم واليقين به، لماذا؟
لأن من شروط نجاح الثورة هو تحقق القدرة على إسقاط النظام أو غلبة الظن بذلك، ومن ميزات الثورات السلمية اعتمادها على وسائل الإعلام أو كاميرات الهواتف النقالة والانترنت وعدم إعطاء النظام أي مبرر لقمع الثورة، وبالتالي تستمر الثورة في إحراج النظام حتى يضطر للاستجابة لمطالب الثورة وبالتالي يفقد مكتسباته الحزبية المتراكمة. ففي سوريا لم نصل منذ البداية إلى درجة اليقين أو إلى غلبة الظن بالقدرة على إسقاط النظام، على الرغم من وجود جو الثورات ورغم التهيئة الإعلامية لدى الشعب، وذلك لأن النظام السوري هو الأشد دكتاتورية وقمعاً للمعارضة في العالم العربي، ولا يستبعد الوصول إلى السيناريو الليبي إذا توفرت شروط وانتفت موانع.
لكن بعد نزول الشارع السوري لم يعد من المهم كثيرا النقاش في إمكانية إسقاط النظام أم لا، إذ يترجح الآن إمكانية ذلك، بل الأهم كان هو نشر رؤية سياسية شعبية تنير الطريق أمام الثائرين ليس فقط بقواعد الثورة وكيفية نجاحها، بل في إعداد النظام البديل والمرحلة الانتقالية، خاصة أنهم يخوضون مغامرة خطيرة، ويجب أن لا تضيع دماء الشهداء هدراً في الحياة الدنيا، إذ يمكننا أن نجمع أكبر قدر ممكن من السيناريوهات المحتملة سواء الإيجابية أو السلبية، وذلك لكي نحذر من السلبية ومما يؤدي للوصول إليها، ونشجع على الإيجابية وما يمكن أن يؤدي إليها، مع مراعاة المنطقية والابتعاد عن الخيالية الحالمة:
السيناريوهات الأيجابية:
1- استمرار الثورة سلميا حتى سقوط النظام سقوطا حقيقيا بأقل عدد ممكن من الضحايا، ولا يمكن تصور ذلك إلا بنزول مظاهرات مليونية في كثير من المدن الرئيسة، إضافة إلى مدينتي دمشق وحلب أو أحدهما على الأقل، قد يكون أو لا يكون الاعتصام في الساحات الكبرى ممكنا، لكن يجب أن يكون هناك خطة بديلة إذا لم يكن ممكنا، قد يحصل السقوط إنقلاب بعض ضباط الجيش على الحكم أو عبر حدوث انشقاقات على مستوىً كبير كماً ونوعاً في قيادات الجيش سواء بالشكل السلمي كما في اليمن، أو بشكل قتالي وتتطور الأمور إلى معارك بين القطع العسكرية، وفي جميع الأحوال يجب أن تظل ثورة الشعب سلمية.
2- من الممكن في هذا السيناريو أن يسقط النظام بشكل مسرحي خداعي عبر صفقة على تسليم الأمور لقيادة الجيش التي هي في سوريا مكونة أصلا من نفس أركان النظام، وتأسيس دستور وانتخابات جديدة، مع بقاء السيطرة الحقيقية بيد العسكريين البعثيين، بشكل مشابه لما كان عليه الوضع في الفترة ما بين عام 1963 و 1970 سوف تمثل مثل هذه الحالة تحسنا قليلا يجب الاستمرار في استغلاله بأكبر قد ممكن لإجبارهم للقيام بمزيد من التنازلات لصالح الشعب، وترسيخ ومبادئ وأعراف شعبية ودستورية ترفض أي تدخل للعسكريين بالسياسة، كما يجب حينها استغلال مساحة الحرية والديمقراطية النسبية المنتزعة في نشر الفكر والوعي السياسي للحيلولة من محاولة عودة الأوضاع إلى وضع مشابه لما كانت عليه بعد عدة سنوات.
السيناريوهات السلبية:
1- محاولة إقدام النظام على القيام بمجزرة كبرى مثل مجزرة حماة والاضطرار إلى تحويل الثورة إلى مسلحة، واضطرار المجتمع الدولي للتدخل لحماية المدنيين كالسيناريو الليبي، ويجب في كافة الأحوال عدم تحويل الثورة إلى مسلحة بقرار انفعالي أو عاطفي، ولا يجوز تحويلها إلى مسلحة أبداً إلا في حالة توفر القدرة وبعد دراسة دقيقة مستفيضة تثبت أن المصلحة في ذلك أكبر من المفسدة.
2- حصول حرب أهلية طائفية وهذا مستبعد في ظل حالة الوعي بالوحدة الوطنية، لكنه قد يكون ممكنا على المدى البعيد بعد سقوط النظام، حيث سيغيب أحد العوامل الذي وحد الشعب وهو النظام المشابه لبنية الاحتلال، ولن يكون هذا سهلا إلا بدسائس ومؤآمرات كبرى قد تحاول بقايا النظام تراهن عليها لمحاولة العودة للحكم، لذا يجب ترسيخ كافة عوامل هذه الوحدة الوطنية ومن أهمها مبدأ المواطنة.
3- نجاح النظام – لا سمح الله – في إخماد الثورة، وهذا هو أسوأ السيناريوهات، لأن الكثيرين يتفقون على أن النظام سيخرج أقوى، كما أنه سيعمل على قتل كل أمل بتغيير الأوضاع، ويؤدي إلى زيادة تغول المشروع الإيراني وزيادة إيمانه بحتمية انتصاره، وهذا سوف يشكل سابقة خطيرة جداً على جميع دول المنطقة العربية والخليجية خاصة.
فربما تخشى الدول العربية ودول الخليج من دعم ثورة الشعب السوري خوفا من تأثير الدومينو، وذلك رغم أن انهيار النظام السوري يشكل ضربة كبرى للمشروع الإيراني، لكن هذه الفكرة ليست دقيقة، فهذا الدومينو قد انطلق في كل الاتجاهات، وهو لن ينتظر نجاح الثورة في سوريا حتى يصل إلى الخليج، بل ربما ينتظر نجاح الثورة في اليمن ليبدأ في الخليج، وفي حالة فشل الثورة في سوريا سوف لن يكون هذا سببا في توقف دومينو الثورة في الخليج، بل هذا سوف يجعل محصلة الثورات العربية تصب أكثر في مصلحة المشروع الإيراني، كما أن قيام دول الخليج بدعم الثورة في سوريا ونجاح هذه الثورة، لن يزيد في قوة هذا الدومينو، فالإصلاح الحقيقي وحده هو مفتاح الحل لتفادي تسونامي الثورات الشعبية.