من أكبر ما يعاب على قناة الجزيرة قبل الثورات العربية هو محاولة التهوين من المشروع الإيراني وعدم التعامل الإعلامي معه بمصداقية، إضافة إلى تحريض الشعوب العربية ضد الأنظمة خاصة تلك المعادية للمشروع الإيراني وأهمهما مصر والسعودية والأردن ودول الخليج واليمن، وبمجرد نجاح الثورة التونسية بدا جليا أن الجزيرة أخذت بالنفخ بقوة في بوق تشجيع الشعوب العربية للثورة على أنظمتها بشكل عام، ومن خلال متابعة تغطيتها ولقاءاتها وحواراتها نجدها ركزت أكثر على الأنظمة المعادية للمشروع الإيراني وخاصة مصر، فهل هدف قناة الجزيرة هو مساعدة الشعوب على التحرر من الظلم؟ أم هي أجندة ازداد وضوحها خصوصا بعد أن رأى الجميع ضعف تغطيتها واهتمامها بثورة الشعب السوري ضد نظام حليف أساسي للمشروع الإيراني؟
لو كان الهدف هو مساعدة الشعوب على التحرر من الظلم فيفترض أن تتناسب حجم التغطية مع شدة الظلم والقمع ضد الشعوب من قبل الأنظمة، وفي حالة النظام السوري فقد اتفق الكثيرون من المراقبين من مختلف الأطياف السياسية على أنه من أشد الأنظمة العربية إرهابا وقمعا بعد نظام البعث العراقي بقيادة صدام، فلماذا كانت تغطية الجزيرة للثورات في مصر واليمن والبحرين والتظاهرات في الأردن أكثر اهتماما بكثير من ثورة الشعب السوري؟ تبدو الأمور واضحة ولا تحتاج لكثير من التفكير، فعلى الرغم من كون الثورة المصرية هي أقرب في مرحلتها الحالية إلى أن تكون ثورة شباب وشعب ضد نظام فاسد إلا أن كثير من التوجهات الحزبية والأيديولوجية حاولت وتحاول خطف الثورة أو الحصول على أكبر حصة من الكعكة، ولا ننسى خطبة خامنئي واعتبارها امتداد للثورة الخمينية، فإذا كانت طريقة الخميني مكشوفة مفضوحة، فهل سوف تستخدم قناة الجزيرة رصيدها لدى الشباب المصري الثائر في محاولة التأثير الناعم أو التدريجي عليهم باتجاه المشروع الإيراني أو غيره من مشاريع أيديولوجية؟
أما على صعيد الثورة السورية فلم يمر الكثير من الوقت حتى شاع افتضاح أمر تخاذل الإعلام نسبيا عن الوقوف مع آلام الشعب السوري وجراحاته وبالأخص قناة الجزيرة، وقد كثرت المقالات في المواقع والصفحات على الفيسبوك في التنديد بقناة الجزيرة، مثل:
ندد بقناة الجزيرة لتواطئها مع نظام الاجرام في سوريا صفحة فيسبوك تنتقد وضع أخبار الثورة السورية بمرتبة ثانوية وبشكل خجول، وتفضيلها بعض الشعوب على أخرى.
الجزيرة مذنبة بحق سوريا صفحة فيسبوك تقول بأن قناة الجزيرة تجاهلت بشكل فاضح الثورة السورية منذ بدء التحضيرات لها. كما تهاونت في تغطية أحداث الخامس عشر من آذار حتى تمت تغطيتها من قبل كل القنوات وبدا خطراً على سمعتها ألا تذكر الخبر.
نبيل شبيب : ثورة سورية.. وقناة الجزيرة هل ستفقد القناة بعض مصداقيتها ورصيدها لدى الشعوب؟ مقال من أفضل المقالات بذكر تفاصيل بالكم والكيف تقارن بين تغطية قناة الجزيرة للثورة السورية وغيرها من الثورات.
إن كان للشعوب المنتفضة الجزيرة، فللشعب السوري رب الجزيرة – سوريين نت مقال يذكر تساؤل وشكوى السوريين عن غياب دور قناة الجزيرة في تغطية الثورة السورية.
وكان من أبرز التفسيرات لهذا الانحياز هو تأثير العلاقات الرسمية القطرية السورية على تغطية قناة الجزيرة، ثم بعد أن بدأت الثورة السورية تدخل نقطة اللاعودة وبدأت تتصاعد التوقعات بسقوط النظام بدأت تتحسن تغطية قناة الجزيرة بل ربما سوف تحاول مستقبلا التفوق على غيرها، وهذا الأمر حصل أيضا مع الثورة الليبية، لكن الثورة الليبية كانت في بدايتها أسرع ولم تستغرق فترة ضعف قناة الجزيرة عن تغطية الثورة الليبية مدة كافية ليُكتشف الأمر، كما قد ساعد التشويش عليها وشتمها بالاسم من قبل القذافي في إبعاد الشكوك عنها، وهنا أيضا يمكننا القول بأن سياسة قناة الجزيرة قد تكون هي محاولة الدفاع غير المباشر عن الأنظمة الحليفة لإيران رغم المغامرة بفقدان مصداقيتها، وعندما يترجح سقوط هذه الأنظمة تبدأ بالتغطية الممتازة مع حفظ خط رجعة احتياطي، والهدف من هذه التغطية أيضا هو استعادة الثقة ومحاولة التأثير في نتائج الثورات من أجل تقليل خسارة المشروع الإيراني.
لا يبدو أن قناة الجزيرة تخشى كثيرا من المغامرة المحسوبة بفقدان مصداقيتها عند أحد الشعوب العربية أو حتى كلها، لأنها على علم بأن طيبة قلوبنا الزائدة سوف تغفر وتنسى هذا التواطؤ البشع مع المجرمين، وهنا يجب علينا أن نستحضر خصلة أخرى بدلا من الطيبة الزائدة، وهي في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين“، أليس هذا أولى بنا ونحن نثور على كل ما هو سبب في شقائنا ونصنع عصرا جديدا؟ فإلى متى ينطبق علينا بدلا من ذلك الحديث الشريف قول أحدهم “لا يلدغ المؤمن (في هذا الزمان) من حجر واحد مرتين فقط … بل ألف مرة”.
بناء على ما تقدم يمكن القول بأنه ينبغي عدم الثقة مجددا بهذه القناة وتوجهاتها وأهدافها لكي لا نلدغ من الجحر نفسه ألف مرة، فهي لا يبدو أنها تقدم خيرا، بل تهدف إلى الحصول على أكبر جزء من كعكة التوجيه الإعلامية بعد سقوط النظام السوري ومحاولة توجيه عقول الشباب الثائر، وينطبق نفس الأمر على شباب الثورة المصرية بتوجيههم نحو أهداف لا تخدم ثورة الشعب المصري بقدر خدمة المشروع الإيراني والصهيوني، ولا نقول هنا بالتوقف عن مشاهدتها، بل بعدم الثقة كثيرا بما تقدمه خاصة من توجهات، إذ المفترض أن من يريد معرفة الواقع أن ينوّع قدر ما يستطيع من مصادره الإخبارية ويطلع على أكبر عدد ممكن من الآراء.