الدول العربية الملكية تنعم بالحرية والأمن والاستقرار لكنها تعاني كثيرا من استفحال الفساد وبعض الخروقات القانونية مثل دولة الأردن ودول الخليج عموما والمغرب، فما هو السبب وما هو الحل؟ هل هو بالثورة على غرار ما حصل في مصر؟ أم أن الحل باللجوء للملكية الدستورية؟ ماذا يا ترى هو الحل؟ لا شك أن الجواب ينبع من معرفة السبب أولا. فدعونا نرى.
إن الفائدة الكبيرة الإيجابية في أنظمة الحكم الملكية الوراثية هي الاستقرار، حيث إن حاكم الدولة محدد وولي عهده محدد، وطريقة انتقال السلطة محددة بشكل سلس وسلمي وآمن ومستقر، وهذا يمنع حصول خلافات ومعارك تهدد أمن واستقرار الدولة، ولهذا يجب على شعوب هذه الدول أن لا تفرط بهذه الميزة والنعمة التي تفتقر إليها الجمهوريات، لكن في نفس الوقت يجب العمل على التخلص من السلبيات والفساد والاستبداد دون التفريط بالاستقرار، إن أي نظام حكم أو حاكم في العالم يستمد شرعيته في الأساس من الشعب، فإن كان معظم الشعب راضيا أو ساكتا أو مشاركا بشكل أو بآخر بهذا الفساد فسوف يستمر الفساد، وإن قرر الشعب يوما أن ينفض عن نفسه وعن نظام الحكم هذا الفساد فسوف يستطيع ذلك، مع الانتباه جيدا في إلى أن الأنظمة الملكية في العادة ليست أنظمة أيديولوجية وبالتالي فهي تقبل بالتغيّر نحو ما يريده الشعب.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) [الرعد:11] آية كريمة واضح معناها موجزة ألفاظها. إنها سنةٌ من سنن الله سبحانه في خلقه. إنها السنة الاجتماعية الرئيسة التي تسيّر المجتمعات الإنسانية وتوجهها، إن مما تبينه هذه الآية أن واقع أي مجتمع إنساني هو تابع أو موجَّه أو هو محصِّلة لما في نفوس مجموع أفراد هذا المجتمع. فإن كانت محصلة ما في نفوس أفراد هذا المجتمع سيئةً يكون واقعه سيئاً، وتكون المحصلة سيئة إن كان كل ما في النفوس أو غالبه سيئاً. وعكس المعادلة صحيح، أي إن كان واقع هذا المجتمع صالحا فهذا يعني أن ما في نفوس أفراده أو غالبه صالح.
وإذا أردنا أن نتعمق أكثر في أسباب انتشار الفساد، نجد في واقعنا الآن مصداق ما قالته بروتوكولات حكماء صهيون، حيث تركز فيها الكلام على ضرورة بث وكلائهم من الفاسدين في المناصب لتكوين مراكز قوى تدافع عن الفساد وتشجع على انتشاره من ناحية، ومن ناحية أخرى يقوم فريق آخر من وكلائهم بتجييش الشعب ضد نظام الحكم ككل وليس ضد القوى الفاسدة، وهنا مربط الفرس، وهو نفس ما حصل في الثورة الفرنسية، علينا أن نعي جيدا هذا المخطط البسيط ونفتح أعيننا جيدا على الواقع لنجد أنه يحصل أمامنا دون أن يخطر ببالنا.
إن الحل يبدأ من الشعوب، فيجب أولا أن نفهم الواقع بشكله الحقيقي بعيدا عن العواطف والتجييش، ونبدأ بإصلاح أنفسنا ونرفض الكذب والخيانة وننشر الصدق والأمانة، يجب أن نرفض طلب المحسوبيات والوساطات لصالحنا مثلما نرفضها لصالح غيرنا، يجب أن نرفض دفع الرشوة، يجب أن نتوقف عن الصمت على الأخطاء والطامات، يجب أن نطالب بالإطاحة بالفساد والفاسدين الحقيقيين من جذورهم، وهذه المهمة لن يستطيع أن يقوم بها إلا مواطنين ومسؤولين وموظفين لديهم أعلى درجات الصدق والأمانة.
لا شك بأن الثورة ضد الأنظمة الملكية هو خطأ تاريخي فادح وهو مطلب صهيوني تسعى إليه الأيدي الخفية لتسهيل سيطرتهم على العالم، وهذا مذكور حرفيا في البروتوكولات الصهيونية، أما التحول إلى الملكية الدستورية فهو أمر يختلف من بلد إلى أخرى ومن ظروف إلى أخرى، فهو من إحدى النواحي له فوائد عديدة، لكن أحيانا قد تكون عواقب وخيمة ويصب في مصلحة الأعداء والمتربصين خاصة إيران وإسرائيل بسبب ما يؤدي إليه من خلافات برلمانية تسهل تسلل وكلائهم ليعيقوا عمل الدولة ويقوموا بتمرير مخططاتهم، لذا يجب تقييم كل حالة على حدى وعدم الانجرار وراء أفكار عاطفية لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن حرية التعبير عن الرأي يجب أن تظل مكفولة، وإن كرامة المواطن وحقه في العدالة والرفاهية والوصول بسهولة إلى أبواب المسؤولين لإيصال شكواه أو آرائه أو اقتراحاته يجب أن تكون مكفولة، هناك الكثير جدا من الإجراءات الحضارية والديمقراطية تكفي وتغني عن الملكية الدستورية إذا كانت غير مناسبة لبلد معين، وأهم شيء هو التجديد والتخلص من الوجوه الفاسدة القديمة، وحفظ كرامة المواطن وكافة حقوقه.