قواعد يجب مراعاتها عند التغيير

أولا: التدرج في تطبيق الإسلام العام حسب الحال والقدرة:

لقد اتسم التشريع الإسلامي بالتدرج، سواء كان ذلك في العقائد أم في الأحكام، ففي الوقت الذي كان فيه التركيز على العقائد في المراحل الأولى من الدعوة في مكة المكرمة، تأخر فرض كثير من الأحكام بعد الهجرة إلى المدينة، حتى إن الكفار ضاقوا بهذه السنة الكونية، وطالبوا بإنزال القرآن جملة واحدة.

 

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) [الفرقان:32]. ثم أكد القرآن الكريم على هذه السنة الكونية، سنة التدرج في تطبيق الإسلام في قوله تعالى:(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) [الاسراء:106].

وهذا التدرج الذي نعنيه يكون في التطبيق وليس في التشريع. فقد اكتمل الدين والحمد لله. ولا يصار إلى تطبيق هذه السنة إلا في المجتمعات التي قد غلب الجهل في الدين على أفرادها، أو جديدة العهد بالالتزام بالإسلام، أو جديدة العهد بالكفر، قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:14].

لذا فقد بدأ الإسلام بغرس العقيدة وتقوية الإيمان في النفوس أولاً لتهيئتها لقبول الأحكام التي أخذت بالنزول فيما بعد تترى. ففرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة،  أما الحج ((ففرض في السنة السادسة على قول جمهور العلماء, وفي التاسعة أو العاشرة على قول ابن القيم))([1]). أما النهي عن المحرمات، فحرمت الخمر، وفرضت الحدود في المدينة المنورة، وهكذا.

ومن الأدلة على اعتبار سنة التدرج في التغيير:

(أ) أن الإسلام لم يمنع الرق دفعة واحدة، ولم يحسم أمره سريعاً، وذلك لحاجة المجتمعات الإنسانية إليه، ولكنه قام بخطوات مع الزمن أدت إلى تجفيفه وتطهيره من المجتمع.

والخشية تساورني من أن بعض الجهال بمقاصد الشريعة الإسلامية سيعيدون العبودية باسم تطبيق أحكام الإسلام، ضاربين عرض الحائط بما سيترتب على خطوتهم هذه من الإساءة إلى سمعة الإسلام في واقعنا المعاصر الذي ينتقص فيه العالم العبودية وعصورها الجاهلية،  فيؤدي ذلك إلى إغلاق قلوب غير المسلمين أمام المد الإسلامي الزاحف، وتشكك قريبي العهد بالكفر منهم فيه.

لذا فتطبيق الإسلام دفعة واحدة على مجتمع لم يُسْلم أمره لله تعالى ينطوي على مخاطر كثيرة، وهو ضد سنة الله تعالى في التغيير، ويؤيد هذا القاعدة الفقهية المعروفة: أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة. وقد حاولت حركة طالبان في أفغانستان فرض أحكام الإسلام دفعة واحدة، كما ينادي بذلك حزب التحرير، فكرّهت الدنيا في الإسلام وفي المسلمين، وكان نهاية أمرها خسراناً مبيناً، وأدى ذلك إلى زوالها في وقت مبكر. ولو أنها اتخذت أسلوب التدرج والحكمة الحسنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكان أقرب إلى مراعاة مقاصد الشريعة السمحة، ولكن ما هكذا يا سعد تورد الإبل!!

(ب) التدرج في تحريم الخمر على ثلاث مراحل:

الأولى: بين فيها القرآن الكريم أن من نعم الله تعالى على العباد، ما سخر لهم من ثمرات النخيل والأعناب، وما يتخذون منه من سَكَر ومن رزق حسن، كما في قوله تعالى: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل:67]. فقد لفت القرآن أنظار المسلمين، إلى أن السّكَرَ ليس من الرزق الحسن.

الثانية: أمرهم بعد ذلك بأن لا يقربوا الصلاة وهم سكارى، كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) [النساء:43].

الثالثة: نزل التحريم كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90].


(1) ((فقه السنة))، لسيد سابق، كتاب الحج.

قواعد يجب مراعاتها عند التغيير
تمرير للأعلى