لقد خرجت حركة 25 كانون الثاني في مصر من أجل المطالبة بالحرية والديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي، وبعدما ألقى الرئيس مبارك خطابه الذي أعلن فيه عدم الترشح لولاية ثانية، وأنه سيكمل ما تبقى من أشهر، بعد هذا الخطاب اختلف المشهد المصري جذريا، فقد كانت هناك أحزاب تريد استغلال حركة شباب الفيسبوك من أجل أغراضها وأهدافها وليس من أجل ما طالب به الشباب، فبينما انفض معظم شباب الفيسبوك بعد خطاب مبارك، فقد ازداد تجمع الأحزاب المعارضة في ميدان التحرير من أجل استغلال فرصة قد لا تتكرر لسرقة ثورة الشباب السلمية، وهذه الأحزاب تطالب مبارك بالتنحي فورا، بينما مبارك متمسك ومصر على أن يكمل باقي الأشهر، ويقول أنه إذا تنحى ستكون الفوضى هي البديل، فهل فعلا كلام مبارك صحيح أم أنه مجرد عناد وتمسك لا معنى له؟ لنرى هذه الدراسة في الدستور المصري لنقلي الضوء على ذلك:
صلاح منتصر: يستطيع الرئيس حسني مبارك من خلال سطور قليلة أن يكتب استقالته ويبعث بها إلي رئيس مجلس الشعب, كما تنص المادة 83 من الدستور, تاركا مصر نهبا مجهولا غامضا أصعب كثيرا مما قد يتصوره أحد, في الوقت الذي ستدوس فيه عجلات القوي الجديدة التي ستبرز من خلال الفوضي التي ستحدث علي مطالب الشباب, ليس لأنها غير مشروعة, وإنما لأنها تجاوزت الخطوط التي يجب أن تقف عندها.. وما تجاوز حده انقلب إلي ضده.. ومن الطبيعي حيوية الشباب وثورته وحماسه وتماديه في مطالبه, لكن من الضروري علي شيوخ هذا الوطن وحكمائه تبصير هذا الشباب بالعواقب التي يمكن أن تحدث إذا جري الإصرار علي إما حزمة المطالب التي يطلبونها كلها, وأولها رحيل الرئيس, أو الاعتصام بميدان التحرير, وكأن هذا الوطن لديه ما يوفر لملايينه الثمانين طعامهم واحتياجهم, دعك من أمنهم وحالات الفزع التي تعيشها البيوت! والصورة التي يجب أن يعرفها شبابنا يمكن أن ألخصها في النقاط الآتية:
1 ـ إن أي حكم يجب أن يستند إلي شرعية تحميه, وعندما قام جمال عبدالناصر بحركة الجيش في23 يوليو 1952 فقد استند إلي قوة الجيش واعتبرها فترة ثورية غير مقيدة بدستور أو قوانين, ومن ثم كانت قرارات حل الأحزاب وتعطيل الدستور, ويعد ذلك قرارات التأميمات والحراسات.
2 ـ بهزيمة1967 طويت صفحة شرعية ثورة يوليو, وحلت محلها الشرعية الدستورية التي تضمنت وسائل نقل السلطة طبقا لما نص عليه الدستور, وهو ما حدث مع الرئيس أنور السادات بعد رحيل جمال عبدالناصر, ومع الرئيس حسني مبارك بعد رحيل أنور السادات, في المرتين جاء اختيار السادات ومبارك مستندا إلي الشرعية الدستورية.
3 ـ هناك مطالب معروفة للشباب علي رأسها رحيل الرئيس مبارك, وحل البرلمان, وتعطيل الدستور, لكن هذه المطالب لا يمكن في ظل تطبيق الدستور تنفيذها إذا استقال الرئيس اليوم. فبحسب المادة84 من الدستور فإنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل, يتولي الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب, وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا, وذلك بشرط ألا يرشح أيهما نفسه للرئاسة, أو يطلب تعديل الدستور, أو حل مجلس الشعب, أو مجلس الشوري, أو إقالة الوزارة.
4 ـ هذا يعني بوضوح شديد أنه عند استقالة الرئيس سيكون أمامنا إما تطبيق الدستور, أو القذف به وسن ما نريده دون تقيد بدستور أو نظام. وكما هو واضح فإن الدستور يمنع حل البرلمان أو تعديل الدستور, مما يعني أنه في حالة التزامنا بالدستور يجري انتخاب الرئيس الجديد في ظل المادة77 بقيودها المعروفة والمرفوضة تماما, ولأن ذلك الأمر مستحيل فلن يكون أمامنا إلا الإطاحة بالدستور, لكن ليتحقق ذلك لابد أن تعتلي السلطة قوة تستطيع دون سند من الشرعية الدستورية ـ سمها في هذه الحالة ثورية أو انتقالية أو مؤقتة أو طارئة ـ أن تعطل الدستور, وتحل البرلمان, وبالطبع فإن الدخول في تعديل الدستور لن يقف عند المادتين76 و و77, بل لابد أن يتجه إلي مواد أخري كثيرة يستغرق وضعها والخلاف عليها فترة طويلة تدخل مصر خلالها في طريق مجهول وغامض سيكون الصدام الذي حدث يوم الأربعاء الماضي في ميدان التحرير بين المؤيدين والمعارضين أبسط صوره, فلن يقتصر الأمر في هذه الحالة علي ميدان, وإنما علي وطن بأكمله, ستخرج مظاهراته المختلفة التي تري أنها الأولي بالتعبير عن الأغلبية, وعلي استعداد للاشتباك مع الآخرين في حرب أهلية.
5 ـ الوطن إذن أمام مفترق طرق بالغ الخطورة, علينا عدم الاستهانة به, وعلي شيوخه وحكمائه وعقلائه أن يبصروا الذين لا يعرفون بعواقبه, وإفهامهم أنه ليس من الحكمة الإصرار علي جميع المطالب حزمة واحدة, لأن ذلك قد يحقق نصرا سريعا, لكنه يخفي خرابا كبيرا لهم ولوطنهم.
6 ـ إن نداء الحكمة والعقل يقول إن مسئوليتنا الأولي هي إنقاذ وطن من أن يصبح صومالا جديدا, وهو ما لا يتحقق بغير سرعة إجراء التعديلات المطلوبة للمادتين76و77 في ظل الشرعية الدستورية, ورئاسة الرئيس مبارك المتبقي عليها بضعة أشهر, وبالتالي إجراء الانتخابات المقبلة في أغسطس في ظل التعديلات التي حتما ستسمح بالتغيير الذي نتطلع إليه. هذا هو الطريق الآمن والسريع لانتقال مصر إلي جمهورية جديدة سيكون فضل إقامتها لشباب25 يناير, وغير ذلك سيكون المجهول الغامض الذي تتآكل في فوضاه أحلام الشباب, والله والوطن من وراء القصد.
المصدر: الأهرام | لو استقال الرئيس؟
التعليق: لا شك أن التغيير في الأنظمة الحاكمة إما يكون للأفضل أو للأسوأ، وقد أثبت التاريخ أن الانتقال السلمي باتفاق جميع الأطراف يمكن أن يؤدي للأفضل، بينما الانتقال العسكري أو الذي فيه عناد من أحد الأطراف وعدم توافق سيؤدي غالبا للأسوأ، وهذا الاحتمال ليس بعيدا عن المشهد المصري، حيث إن الفوضى الدستورية التي ستحصل لو تنحى مبارك، سوف تستغلها فورا أطراف إقليمية خاصة إيران، ولن يكون صعبا عليها إقامة دولة فاطمية جديدة.
قد يقول البعض: ماذا لو توفي مبارك مثلا قبل هذه الثورة ماذا كان سيحصل؟ ألن نكون أمام نفس سيناريو تنحي مبارك الآن؟ والجواب أن الحزب الوطني كان سوف يدبر الموضوع بطريقته السلطوية المعروفة ولو بخرق الدستور أو تغييره، لكن سيكون هناك اتجاه واحد متفق عليه بالتالي كانت ستبقى الديكاتورية، لكن لن تحصل اختلافات في الآراء وفوضى مثل ما لو تنحى مبارك الآن.