لماذا وكيف تحرض إسرائيل الجماهير ضد النظام المصري؟
قالوا الحكماء على نوعين: الأول هو ذلك الشخص الذي إذا وقع في فتنة أو أزمة مّا، عرف بدقة طريق النجاة والسلامة منها. والثاني هو الشخص الأحكم وهو: ذلك الشخص الذي يستشرف والفتنة أو الأزمة قبل وقوعها فيبطلها قبل أن تطل برأسها. وهذا ما يذكرنا بما حدث للنظام المصري الحالي الذي يرأسه الرئيس حسني مبارك. حيث كان المطلوب منه أن يكون من النوع الثاني من الحكماء، فلا ينتظر تلك التراكمات والاحتقانات التي أدت الى غليان الشارع ضد نظامه، وبالتالي حدث ما حدث ولا يزال لغاية تاريخه.
فعلى الرغم من وجود بوادر لمؤآمرة صهيونية على أرض مصر تقودها أيادٍ خارجية تذكرنا بتدخلات إيران في الشأن الفلسطيني وفي الشأن اللبناني، هدفها عرقلة مسيرة التنمية والمصالحة ولا زالت، مؤآمرة تريد التسلق على ظهر الشباب والشعب المصري وعموم حركة التغيير السلمية الرامية لحياة العزة والكرامة، تلك الحركة التي أرادت المعنى الحقيقي لا الشكلي للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وأرادوا كذلك بعض الإصلاحات الأخرى المشروعة التي اعترف لهم بها الرئيس حسني مبارك. فليحيى الشباب وروح الشباب المنضبطة الواعية. ولتخسأ الجهات المشبوهة والمتسلقة على أكتاف الشعب المصري العزيز الأبي.
من المعلوم أن إسرائيل كيان صهيوني يهودي محتل ومعادي للعرب، بل للانسانية كلها فهم يعتبرون غير اليهود بهائم وعبيداً وغثاء ورعاعاً، يسهل عليهم برمجة عقولهم وتوجيههم لما يريدون، ولهذا فعندما تصرّح إسرائيل علانية بأنها صديقة لأحد الأنظمة العربية فإن النتيجة الفعلية لهذا التصريح المعلن، هو أن يصبح الشعب والجماهير الموجهة والمبرمجة فكرياً تكره هذا النظام وتحاربه وتسعى لإسقاطه، فلو كانت إسرائيل فعلا كما تدعي أنها خائفة على النظام المصري وعلى معاهدة السلام، لكان من البديهي أن لا يكون تصريحها هذا علنياَ، بل ستحرص على عدم تسربه للشارع والإعلام، خاصة في هذه الظروف الملتهبة التي أصبح الشعب صاحب قرار وتأثير، فهل يعقل أن إسرائيل تصب الزيت على النار ضد النظام المصري وتؤجج الجماهير ضده إذا كانت فعلا خائفة عليه وعلى معاهدة السلام؟ كلا فهذا مستحيل.
ففي خضم الأحداث المصرية صرح نتنياهو علنا بأنه يدعو المجتمع الدولي لمطالبة أي حكومة مصرية جديدة بالحفاظ على معاهدة السلام ، بل حذر من الروح الإيرانية للنظام البديل، وليس هذا فقط ، بل حذر الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز من النتائج السلبية على إسرائيل للانتفاضة الشعبية على النظام المصري الحالي الحاكم. فكل هذه التصريحات كانت علنية أمام وسائل الإعلام، ومما لا شك فيه أنه كان لها أثرها المباشر والفوري في زيادة تهييج المسيرات ضد النظام المصري الحالي وضد عملية السلام، فهل إسرائيل على هذه الدرجة من الغباء والتخلف العقلي لكي تفعل هذا وهي ترى أن الشعوب العربية أصبحت لأول مرة لها من القوة القدر الكبير الذي يهدد الأنظمة الحاكمة؟
فإلى متى تظل الجماهير العربية ألعوبة بيد المفسدين في الأرض الساعين إلى السيطرة عليها كلها؟ متى نعقل ولو قليلا؟ متى ندرك واقعنا وما يُحاط بنا من مكائد؟ فلو كان مثل هذا الموقف قد حصل بين أحدنا و شخص آخر بيهنما عداوة، لأدرك على الفور أنها خدعة سخيفة ولعبة طفولية ساقطة، فلماذا في علاقاتنا الشخصية تصبح أسلوباً خبيثاً ومضللاً بالنسبة لنا وخدعة مستهلكة، في حين ظلت تنطلي علينا على سخافتها في أدق شيء في حياتنا ومصيرنا؟ لماذا؟ ألا يستحق هذا الموقف كثيرا من التأمل والتفكير؟
لا شك أن إسرائيل لا تريد السلام، وحتى اتفاقية كامب ديفيد كانت إسرائيل قد وقعت عليها بصعوبة بالغة بوساطات أمريكية وغربية وتنازلات مصرية، وقد وقعت عليها رغما عنها، وهي دائما تتمنى التنصل منها، وهذا واضح في مدحها العلني المستمر لهذه المعاهدة أمام الإعلام العربي، لكي يحرضوا الشعوب على كراهيتها والدعوة للتخلص منها عن طريق وكلائهم الذين يعيشون بين ظهرانينا، ممن يعلمون المخطط ومن لا يعلمون. فلو أنها كانت فعلا حريصة على العملية السلمية، وخائفة على مصيرها، لكان يجب عليها أن ترفضها في العلن لكي تتشبث الجاهير العربية بها.
يجب علينا أن نتذكر دائما وليكن في إذهاننا دوما أن ما تقوله إسرائيل في العلن غالباً يقصد منه خداعنا، فهي عندما تمتدح علنا إحدى الأنظمة الحاكمة أو الأشخاص، فهذا لا يعني أنهم فعلا أصدقاء لإسرائيل، بل هذا ما تريدنا إسرائيل أن نعتقده، فلو كانوا فعلا أصدقاء وعملاء لها لوجب عليها إخفاء ذلك حتى لا تفشل الخطة، بل لوجب عليها أن تظهر عداءها لهم وتشتمهم لكي ننخدع بهم ونظنهم مقاومين حقيقيين لإسرائيل، وهذه ليست قاعدة ثابتة، فقد تغير إسرائيل أسلوبها إذا أصبح مستهلكا، ويظل علينا أن نكون دوما متيقظين وغير عاطفيين وغير عجولين في الحكم.