ما من شك أن التحليل السياسي يختلف من شخص لآخر، وأقرب التحليلات صدقا هي التي تعتمد في قراءتها على دراسة الحدث من جميع جوانبه وخاصة العقدية والظروف المحيطة بالحدث. ولما كانت إسرائيل تمر في مأزق سياسي لم تصل إلى مثله من قبل، بسبب انفضاح أمرها برفضها إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المعترف بها دولياً. ولما سقطت جميع الأساليب القديمة المتبعة لدى إسرائيل تترا من المماطلة والمراوغة والتهرب من استحقاقات العملية السلمية وقيام الدولة الفلسطينية المرتقبة. توقع البعض أن تقوم إسرائيل بحركة ماّ تخلط من خلالها الأوراق وتشد الانتباه عما يجرى في فلسطين من جديد.
لذا فقد تزامن عدد من الاحداث في العالم أدت الى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية والتركيزعليها، فنرى في لبنان قيام قوى الثامن من آذار يعطلون من خلال (الثلث المعطل)+1 الحكومة ويسقطونها، في وقت قُرب إعلان نتيجة التحقيق الدولية في مقتل رفيق الحريري. وحشودات ميليشيات حزب الله في الساحة اللبنانية. ونرى ما جرى في تونس من مظاهرات شعبية أسقطت رئيس البلاد، ونرى محاولات كثيرة لانتقال شرارة حرق الأجساد في دول المنطقة في مصر والجزائر وغيرهما تمهيدا وتحريضا لقيام ثورات شعبية مشابهة لتونس لإسقاط عروش جديدة. وما نتج عنه من انشغال بعض الدول في تسكين الشارع بمختلف الأساليب تحسبا لاندلاع ثورات مشابهة في الأردن ومصر والكويت. وخروج ابن لادن بصوته يهدد فرنسا، كل هذا أشغل الكثيرين من الزعماء والمراقبين والمحللين السياسيين ووسائل الإعالم المختلفة عما يجري في فلسطين وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية ولو بعضا من الوقت.
وعليه، لماذا لا يكون نجاح الثورة الشعبية التونسية القصيرة في العمر نسبيا، والأضعف في الإمكانات، مقابل قبضة النظام الاشتراكي التونسي الحديدية التي سارعت بشكل ملفت للأنظار ويدعو للريبة إلى تقديم التنازلات المتتالية والسريعة حتى وصلت الى رحيل الرئيس زين العابدين من بلاده وتسليم السلطة. لماذا لا يكون نجاحها ممسرحاً ومقصوداً سواء بمعرفة مسبقة من قبل الرئيس زين أم بغير معرفة؟ ومن الذي حرك الشارع ولا زال يحرك؟ وما هي حقيقة وهوية من فاوض الرئيس التونسي وساعده على الهروب من البلاد؟
أسئلة نطرحها اليوم لننتظر الإجابة عليها مستقبلا، وخاصة أن ثمة محراك سياسي يعمل حاليا على تثوير الشارع العربي في مصر والاردن على وجه الخصوص، ومحاولات أضعف منها في السعودية. علماً بأن هذه الدول بحكمتها ومقاومتها السلمية، هي الأشد وقوفا في وجه السياسة الإسرائيلية المتغطرسة.