الجميع يكتب والجميع يتحدث عن خطورة انقسام السودان، لكن أين هو تحرك الجماهير العربية؟ لماذا قليلون هم من يحملون المسؤلية للنظام السوداني، لنتخيل لو كان هذا الاستفتاء يحصل في إحدى الدول العربية المعتدلة بدون ذكر أسماء، ترى ماذا سيكون الحال؟ بالتأكيد سيتم تحميل المسؤولية للنظام الحاكم وتخرج المظاهرات، وتفرد الشاشات لجميع أنواع المحللاتية الناقمين على سياسيات الدول المعتدلة، وذلك حتى ولو كانت جهات أخرى دولية هي السبب الحقيقي والمباشر، لكن في حالة السودان فإنه يتم بشكل محدود ذكر مسؤولية النظام السودني فيما يحصل وبدون مبالغة أو تهويل بل بتقليل وتهوين، رغم أنه المسؤول الرئيس عما يحصل، فلماذا؟ هل النظام السوداني على رأسه ريشة كما ورد موضوع لماذا التركيز على الانتخابات المصرية بالذات؟
النظام السوداني لا يبدو من الأنظمة الشيوعية ولا الاشتراكية ولكنه بلا شك يميل باتجاهها، حيث توجد له علاقات خاصة اقتصادية وسياسية مع الدول الشيوعية واليسارية مثل الصين وامتيازاتها النفطية التي نادرا ما يذكرها أحد، وعلاقاته الخاصة مع إيران العدو الموازي في خطره لإسرائيل، فهل هذا إذا أضيف إلى ملف الإبادة الجماعية المشبوهة في دافور يدل على أن السودان دولة يسارية ذات إرث شيوعي اشتراكي في ثوب نظام شبه إسلامي؟
إن مثل هذا التوصيف أو هذا الشكل من الأنظمة يجب أن لا يكون غريبا عن أذهاننا، فالعقول اليهودية والشيوعية مستمرة في ابتكار أحدث الطرق والوسائل لخداعنا كلما أصبحت الطرق القديمة بالية ومستهلكة، ومن الأدلة الملموسة على استخدامهم للدين والإسلام ضد الإسلام وفي مصلحة خدمة اليهودية وإسرائيل، هو تنظيم القاعدة حاليا وحزب التحرير في الفترات السابقة، ولا يمكن لأحد الآن أن ينكر الأثر السلبي التدميري لأعمال القاعدة على المسلمين والعالم الإسلامي، سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد.
إن خطورة مثل هذا الاستفتاء أنه قد يفتح باب لتقسيم دول العالم العربي، خاصة في الدول التي فيها تنوع عرقي أو ديني، وهذا التنوع شائع وليس خاصا بالسودان، سواء في اليمن والحراك الجنوبي أو في المغرب وجبهة البوليساريو أو في العراق والأكراد وصولا إلى الأقباط في مصر، وهنا تكمن مسؤولية هذه الدول بأن لا تدفع بالأمور بشكل مماثل لما فعله حزب المؤتمر في السودان، ولا ينبغي تعليق المشكلة على شماعة وجود مؤامرة خارجية بسبب النفط أو الموقع الاستراتيجي. وإنما يجب تحصين الوحدة الوطنية بكل الوسائل التي تضمن عدم حصول صراعات وهذا من أهم الشروط للحفاظ على التماسك. ناهيك عن انتقال عدوى التقسيم إلى أقاليم السودان الأخرى مثل دارفور التي لا يزال وضعها غير مستقرا، فقد يشجع مناخ انفصال الجنوب على أن تحذو دافور حذوها.
وبمتابعة أصل القضية عندما أقر اتفاق نيفاشا، كان من شروطه على الطرفين خلق مناخ مشجع باتجاه الوحدة، لكن حزب المؤتمر بزعامة البشير دفعها باتجاه الانفصال، بإهمال التنمية وإهمال بث الدعاية الإعلامية المشجعة على الوحدة، بل هو يبدو متحمّسا لانفصال الجنوب، ويستعجله ويكاد صبره يخونه. لقد أبدى استعداده للاحتفال مع الجنوبيّين بانفصالهم، وطبعاً لم يُخفِ الترحيب بنتائج الاستفتاء حتى كان الانفصال.
وكلما كانت الضغوط تزداد على البشير، كان يلجأ إلى التشدد في تطبيق الشريعة لتثبيت حكمه، موفراً بذلك حجة لسيلفاكير سودانيي الجنوب كي يتشبثوا بالانفصال ويعتبروا علاقات قبائلهم بقبائل الشمال مجرد علاقات عابرة، طالما سادها العداء والحروب والغزو.
فما هو السبب فعلا وراء فتور الشارع ووسائل الإعلام الكبرى في تحميل المسؤولية للنظام السوداني؟