ما يحدث في السودان، وما يحدث في فلسطين أو في العراق أو أفغانستان أو غيرها، كلها مصائب تتنزل على أمتنا، بسبب ضعفها وتفككها وبعدها عن دينها، إضافة إلى ضعف انتشار فقه الواقع والفقه السياسي، لقد كنا أمة في الماضي عظيمة، وبعد أن خرجنا من ظلام عصور الانحطاط ودخلنا في عصر النهضة بداية القرن العشرين، ظهرت حركات وتيارات تحديثية ونهضوية عديدة بعدة اتجاهات منها علمانية و إسلامية و شيوعية و اشتراكية ألخ..، فلماذا بعد كل هذا لا زلنا نرواح مكاننا؟ وعلى الرغم من أن الاتجاه الإسلامي كان هو المعول عليه في عودة العزة لأمتنا لأن عزتنا تاريخا لم تكن إلا بالعودة للإسلام، إلا أن هذا التيار كان مثله مثل غيره، فما هو سر الداء؟ وما هو الدواء؟ وكيف تعود أمتنا إلى مجدها التليد؟ إن هذه التيارات منها ما هدام ومفسد عن عمد وقصد ويحمل أجندات أجنبية كالشيوعية والإشتراكية وعلمانية الحداثة الغربية، ومنها ما هو وطني محلي أو إسلامي مخلص، ولكن الإتجاهات الأخيرة إما لا تعتمد الإسلام كمنهج رؤية كالحركات الوطنية، أو تعتمد الإسلام كمنهج، لكنها لا تعرف الواقع حق المعرفة، والواقع أن معظمها لديه ضعف في فقه الواقع الشرعي، فما هو فقه الواقع الشرعي وما أهميته إلى جانب منهج الإسلام في طريق الوصول للعزة والرفعة؟
يجب علينا أن نقر ونعرف تماما أن هذا الدين الذي أنزله الله تعالى إلى العرب كان هو سر انتشالهم من الجاهلية ليصبحوا سادة الأمم، ولكن هذا الفهم وحده لا يكفي، حيث يجب أن يكون المسلم كيسا فطنا بالفطرة، وهذه لم تكن تنقص العرب في الجاهلية، لكنه ينقصنا الآن ليس فقط كحركات إسلامية أو إسلاميين مستقلين، بل أيضا كشعوب عربية ومسلمة بشكل عام، فقد كنا ولا زلنا ضحية مؤامرات التضليل السياسي اليهودي أو الغربي أو الشيوعي، وهنا لا نلوم كثيرا عوام الناس من الشعب، بل نلوم المثقفين الذين كانوا أكثر من وقع ضحية لهذه التضليلات وجرّوا معهم كافة الشعوب إلى حافة الهاوية لولا رحمة الله، ففقه الواقع ضرورة لكل مسلم وكل عربي وحتى لكل إنسان يعيش على وجه الأرض، لكي لا نكون مغفلين وفريسة سهلة للمجرمين المتربصين بالشعوب، ومن أشهر الأمثلة هم ضحايا الثورة البلشفية الحمراء التي ادعت تحرير الشعوب، ولكن راح ضحيتها ملايين من الشعب الروسي والشعوب المسلمة، ونتج عنها موت ملايين أخرى من الجوع بسبب تطبيق المزارع الجماعية والسياسات الإقتصادية الشيوعية، وهذا لأن الشيوعية أولا وأخيرا فكر يهودي أسسه ماركس اليهودي، وكانت معظم قادة الثورة وقادة الحزب الشيوعي من اليهود، وقد سُئل لينين قائد الثورة وهو مخمور في إحدى الحفلات في فرنسا عن سر نجاح الثورة البلشفية، فقال بأنه الغباء الكامل للشعب الروسي والذهب اليهودي، وهذا هو جوهر ما يهمنا.
وأمام هذه الحقائق وفي مواجهة مثل هذه التحديات يجب رفع الوعي السياسي الحقيقي عن طريق نشر فقه الواقع الشرعي، خاصة بين المثقفين الذين هم طلائع التغيير، ولكن للأسف يوجد أيضا كثيرون محبطون من واقع الفكر السياسي الحالي، حيث تختلف الآراء بشدة، وتشوه الحقائق وتغيب، ويظل المرء متحيرا، كما توجد كثير من وسائل الإعلام تدعي فهم الواقع وتقديم الحقيقة والتحليل السياسي الصحيح، وهذا في غالبه غير صحيح بدليل أننا لا زلنا نراوح مكاننا ولا نتقدم للأمام، فلو كانت ما تقدمه أشهر الفضائيات الإخبارية للشعوب فيه نسبة كبيرة من الصحة لوجب قطعا أن تتغير الأحوال إلى الأفضل بغض النظر عن شدة تمسك النظام العربي ببقائه، لأن القاعدة الربانية تقول: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وقد نجحت تلك الفضائيات إلى حد كبير في تغيير أفكارنا وما بأنفسنا بالاتجاه الذي تريد، فلماذا لا نرى على أرض الواقع إلا التغير نحو الأسوأ وزيادة الاحتقان، ووصول بعض البلاد العربية إلى تصبح على كف عفريت كما يقولون؟
بينما نرى بالمقابل على سبيل المثال حركة جديدة من كتاب مغمورين وفضائيات جديدة مغمورة بدأت ببث أفكارها في طريق صد الهجمة الإيرانية الرافضية الفارسية على بلادنا العربية، وقد نجحت هذه الفضائيات إلى حد ما في تأخير الهجمة الإيرانية التي كانت تنوي إخراج المهدي المزعوم الخاص بهم في العامين الماضيين، فنحن يلزمنا مثل هذه الوقفة العظيمة على كافة الأصعدة خاصة في فقه الواقع، ولا نريد مزيدا من تحريك مشاعر وعواطف المعارضة العمياء والمعارضة من أجل المعارضة، إننا نريد المعارضة الوطنية والإسلامية البناءة والمشاركة بشكل حقيقي في آمال الجماهير، ونريد أيضا تفعيل الإنصاف والرؤية الإيجابية لما تم إنجازه، نريد رؤية معززة بفقه الأولويات وفقه فن الممكن، وفقه التوازنات الدولية، وفقه تاريخ كيفية قيام الدول وتحولها للمجد والرفعة الذي أسسناه نحن العرب في مقدمة ابن خلدون، لا يجوز أن نظل عاطفيين ومتحمسين ونظن بأننا نستطيع الوصول فجأة بواسطة ثورة غثائية إلى قمة المجد، فلطالما كتب التاريخ أن الثورات كانت هي الطريق نحو الأسوأ ونحو الهاوية، والسعيد من اتعظ بغيره.
إن الوعي بخطر مخططات العدو الغربي والأمريكي موجود ومتوفر بشكل كبير في ضمائر مثقفينا وجماهير شعوبنا والحمد لله، ولن يضرنا إن شاء الله موقف الأنظمة العربية إذا قامت الشعوب بتغيير ما بأنفسها، ولكن الصورة أكبر من ذلك، إننا يجب أن نعلم أن للبشرية عدوا أكبر يتربص بها يريد أن يسيطر عليها، وهو العدو اليهودي العالمي الصهيوني، وهذه حقيقة معلومة دون الحاجة لنظريات المؤامرة الخيالية، بل إن المؤامرة هي نفي وجود هذه المؤامرة، وهذا العدو اليهودي العالمي هو المسؤول عن ما نراه الآن من سنوات خدّاعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وهي كلها تمهيد لخروج الدجال اليهودي الذي تصفه بروتوكولات حكماء صهيون بكل دقة بأنه ملك اليهود الأعلى على العالم، وتسبغ عليه أوصاف الألوهية المماثلة لما وصفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالقضية أكبر بكثير مما نظن، ولكن الله بشرنا ورسوله بأن النصر لنا ولديننا ولأمتنا، ولهذا يجب على الدوام أن تظهر في أحلك الظروف من الأسباب ما يكون سببا في إنقاذنا ونصرتنا، وإني لأستبشر خيرا بما وفقنا الله إليه من فقه للواقع الشرعي بأن يكون بذرة لهذا الخير، فساهموا معنا في إثرائه فلا أحد يستطيع أن يدعي أنه يحتكر الحق وحده، فساهموا معنا في إثرائه وغربلته وتنقيته لنصل إلى النصر الذي وعدنا الله به، وإن الله ليس بحاجة لنا لينصر دينه، “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” [سورة محمد 38]، بل نحن بحاجة أن نكون من الذين ينصر الله دينه وأمته على أيديهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الموضوع نشرنا من قبل في مدونة الأحرار الإخبارية:
الغفلة و الغثائية هي الداء و فقه الواقع هو الدواء – بقلم: زكي الاخضر