عملية الانتخابات المصرية هي حديث الساعة هذه الأيام، ومن قبلها الانتخابات الأردنية، حيث تسلط وسائل الإعلام الضوء عليها وتصر على إظهارها بصورة سوداء قاتمة، ومهما كانت الحقيقة، فالذي نريده هو لماذا يحدث كل هذا التركيز على الانتخابات المصرية بالذات؟ لماذا لا يحصل عشر تلك الانتقادات والتركيز على الانتخابات السورية مثلا أو الليبية أو الإيرانية؟ فإذا كان مبرر التركيز على الانتخابات المصرية هو بقاء الحزب الوطني في الحكم لعدة دورات، فإن هذا المبرر موجود في الانتخابات السورية أو الليبية أو الإيرانية، وإذا كان السبب هو الشك في تزوير الانتخابات المصرية، فإنه مؤكد في الانتخابات السورية أو الليبية أو الإيرانية، فما هو التحليل السياسي وما هو فقه الواقع تجاه هذه الظاهرة؟
لا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل حقيقة ما يحدث بل نريد تقديم شيء جديد، لدينا نوعين من الدول نوع على رأسه ريشة ويحق له تزوير الانتخابات والتلاعب بها والبقاء في الحكم وتوريثه دون أن يناله إعلاميا سوى القليل من النقد أوالتركيز عليه، ونوع آخر من الدول ليس على رأسها ريشة وهي عرضة للنقد الشديد في وسائل الإعلام الحرة والإشاعات الشعبية سواء كانت مستحقة لهذا النقد أو أحيانا تكون مفترى عليها، فلماذا يحدث ذلك، لماذا هذا الكيل بمكيالين؟؟
دعونا نحلل ونشرّح هذه الظاهرة ونضعها في أبعادها التاريخية والإقليمية والدولية والأيديولوجية.
عندما نحلل الظاهرة سنجد أن الدول التي على رأسها ريشة في التاريخ السابق هي الدول التي كانت في محور الاتحاد السوفييتي، وتتميز هذه الدول بأن الإعلام الداخلي فيها مقصور على الدولة والحزب الحاكم فقط، الذي هو ذو أيديولوجية شيوعية أو اشتراكية ثورية، بينما نجد في الوقت الحالي أنها الدول اليسارية الثورية التي كانت سابقا في محور الاتحاد السوفييتي لكن نظامها السياسي لم يحصل فيه تغيير جذري حقيقي رغم التغييرات الاقتصادية باتحاه الرأسمالية، لكن لماذا استمرّت نفس الظاهرة رغم انهيار الاتحاد السوفييتي؟ لماذا لم تصبح هذه الدول مثل باقي الدول تتوجه إليها أصابع النقد والتركيز بنفس القدر الذي يوجه للدول الأخرى؟ هل في الأمر سر؟! كما نجد أيضا أن الإعلام الداخلي لها لا يزال كما في السابق مقصورا على الدولة والحزب الحاكم فكيف نفسر هذا الأمر؟
عندما يتحدث أحد ما في الشارع أو المقهى أو الجلسات عن الديمقراطية العربية فإنه يشمل جميع الأنظمة العربية عموما بأنه ليس فيها انتخابات حقيقية أو نزيهة، لكن عند يتشعب الحديث في التفاصيل نجد أن التركيز ينصب على الدول المعتدلة دون الدول اليسارية، رغم أن الدول اليسارية أكثر قمعية وأكثر وضوحا بكثير في تزوير إرادة الشعب، فلماذا؟ ويحصل نفس الأمر في معظم وسائل الإعلام الحرة، فلماذا ولمصلحة من السكوت عن تجاوزات الدول اليسارية الا ما رحم؟ وما سبب ذلك؟ أليس من المفترض عند الشارع العربي وعند وسائل الإعلام أن يكون التركيز والنقد أشد على الدول الأكثر تزويرا وهي الدول اليسارية؟ فلماذا يحدث العكس؟ لماذا؟؟ أليست شعوب الدول اليسارية مظلومة مضطهدة؟ أليست هي شعوبا عربية شقيقية؟ أليست هي تعاني أكثر؟
ذكرنا في موضوع قانون كفتي الميزان أن التركيز الإعلامي والشعبي على ذكر سلبيات الجهة (س) أكثر من ذكر سلبيات الجهة (ص) يؤدي لاشعوريا إلى تعاطف ومحبة الجماهير للجهة (ص) رغم ذكر سلبياتها وحتى لو كانت أضعاف سلبيات الجهة (س)، ويكون ذكر سلبيات الجهة (ص) في هذه الحالة بمثابة ذر للرماد في العيون لكي لا يقول قائل لماذا لا تذكرون سلبيات الجهة (ص)، لكن هذا القائل يجب عليه أن يدرك أن نسبة ذكر الأشياء تلعب دورا حاسما في توجيه الجماهير نحو ما يريد الإعلام بغض النظر عن الحجم الحقيقي للأحداث، ولذلك يجب أن يتم توجيه السؤال بشكل مباشر وصريح: لماذا تركزون أكثر على ذكر السلبيات عند الجهة التي هي أقل تزويرا وقمعا للحريات وغيرها؟
لنأتِ إلى تحليل وتفسير هذه الظاهرة، ففي السابق كان تفسير هذه الظاهرة بسيط جدا وهو أن الدول الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي الشيوعي اليهودي تسير في اتجاه مصالح وسياسات اليهودية العالمية، واليهودية تسيطر على معظم وسائل الإعلام ومن خلالها تسيطر على عواطف وانفعالات الشعوب، وهي تركز مباشرة عن حماية حلفائها من الدول الدائرة في فلكها وتعمل على تقليل النقد أو التركيز عليها في وسائل الإعلام التي تسيطر على معظمها، لكن الآن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ما هو التفسير؟ إنها نفس الظاهرة بنفس أبعادها ولها نفس التفسير تقريبا وهو أن الاتحاد السوفييتي انهار لكن الشيوعية واليسارية الثورية لم تنتهِ فهي كانت موجودة قبل قيام الاتحاد السوفييتي وظلت موجودة بعد انهياره، وهي موجودة في الدول اليسارية كنظام سياسي استبدادي رغم أنها لم تعد موجودة كنظام اقتصادي، والأهم أنها موجودة في الدول غير اليسارية مختبئة بأشكال جديدة غير الأشكال الحزبية التقليدية، منها مثلا حركة كفاية، كما أن لها دور كبير في اختراق بعض الحركات الإسلامية الكبيرة مثل حزب التحرير و تنظيم القاعدة والاتجاهات الصقورية في جماعة الإخوان المسلمين، وتسييرها باتجاه ما تريد لتكون نائبة عن غيابها الاختبائي المؤقت.