تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية الحلقة الجزء 3
ذكرنا في الحلقة السابقة أن أهل الصوفية يخفون سرا يبيح دماءهم في الشريعة لأنه كفر وزندقة، ووصلنا لمقولة الحلاج بأنه يستر هذا السر بدين الله، فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟! من الممكن أن نعرف هذا السر من بعض أقواله وفلتات شعره، يقول:
رأيت ربي بعين قلب فقلت: من أنت؟ قال: أنت([1]) ولا أعلق على هذا القول بشيء، فهو واضح، وهو السر الذي يكتمونه. – ومما يورده الغزالي: …قال بعضهم: للربوبية سر لو أظهر لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم، وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام([2]). أ.هـ
أسرار!! تبطل بها النبوة، ويبطل بها العلم، وتبطل بها الأحكام؟! فما هي هذه الأسرار؟
ويقول الطوسي (صاحب اللمع) في تعريف (التقية):
قال قوم: استعمال الأمر والنهي، وقال قوم: ترك الشبهات، وقال قوم: التقية حرم المؤمن كما أن الكعبة حرم مكة، وقال قوم: التقيه نور في القلب يفرق بها بين الحق والباطل([3])… أ.هـ
هكذا جعلوا التقية مقدسة يتسترون بها. إِذاً: فنحن أمام فرقة باطنية.
ويقول أَبو طالب المكي([4]):
…فتفصيل معاني التوحيد من شواهد الناظرين اضيق الضيق، وشهادة الجمع في التفرقة والبقاء قي الفناء أخفى الخفي، وشرح غريب عن الأسماع يُنكر أكثره أكثر من سمعه، غير أَن من له نصيب منه يشهد ما رمزناه، فينكشف له ما غطيناه([5]).
* ملحوظة: يلاحظ القارىء هنا أن الألغاز تفسر بالألغاز، ويُشرح الغموض بالغموض؟! وذلك لأننا الآن وجهاً لوجه أمام السر الذي يكتمونه.
ولا بأس من وضع بعض الصور الصغيرة التي قد تساعد على فهم هذه الألغاز، على أن توضيحها الكامل سيأتي في ما يأتي إِن شاء الله.
فالفناء: ويسمى أيضاً: المحو، والسكر، والغيبة، والطي، والحضور بالحق، والجلوة، والإحسان، والجمع.. وكلها أسماء لمسمى واحد، وهو مقام الجمع (وهناك بعض الاختلاف بين مدلول الكلمات)، فالجمع هو الفناء، وضم تعريفيهما إِلى بعضهما يساعد- بعض الشيء- على فهم السر والألغاز.
أما البقاء: ويسمى أَيضاً: الفرق الثاني، أو الجمع في التفرقة، أو الفرق في الجمع، أو صحو الجمع، أو الِإطلاق.. فهو مقام أعلى من مقام الجمع، يجتمع فيه الفناء مع الصحو، أو الجمع مع الفرق، والاستغراق في مقام البقاء يسمى (جمع الجمع)، وبيت من تائية ابن الفارض قد يلقي أمام القارىء بعض النور، يقول:
ومن (أنا إِياها) إِلى (حيث لا إِلى) عرجت وعطرت الوجود برجعتي
في هذا البيت يخبرنا ابن الفارض أَنه بدأ عروجه إِلى الله (سبحانه وتعالى علوًّا كبيراً) من (أنا إِياها) الذي هو مقام الفناء، أو الجمع.. إِلخ، حتى وصل إِلى (حيث لا إِلى) ويكني بذلك عن مقام جمع الجمع.
– الرجاء من القارىء أن ينتبه إِلى كل عبارة، وخاصة (أنا إِياها)، وماذا يعني بـ (إِياها).
ويقول القشيري([6]) (صاحب الرسالة):
…وهذه الطائفة يستعملون ألفاظاً فيما بينهم، قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والإجمال والستر علي من باينهم في طريقتهم، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن يشيع استعمالها في غير أهلها، إِذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف، أو مجلوبة بضرب تصرف، بل هي معانٍ أودعها الله تعالى قلوب قوم، واستخلص لحقائقها أسرار قوم([7]).
– عبارة غيره منهم على أسرارهم) هي أَيضاً مغالطة، وسنرى أَمثالها كثيراً، إِنها ليست الغيرة، وإنما هو الخوف من السيف (سيف الردة).
تابعوا الحلقة القادمة حول أقوال الشيخ أبو حامد الغزالي مؤلف إحياء علوم الدين.
([1]) الطواسين (طاسين النقطة).
([2]) إحياء علوم الدين: (1/88).
([3]) اللمع، (ص:303).
([4]) محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، نشأ في مكة ومات في بغداد سنة: (386هـ).
([5]) قوت القلوب: (2/81).
([6]) أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، مات سنة: (465هـ) في نيسابور.
([7]) الرسالة القشيريه، (ص:31).
مرتبط