فقه الواقع في وثائق ويكيليكس حول حرب العراق

تشكل تسريبات موقع وكيليكس نموذجا جديدا لم نعهده من قبل في هذا الشأن، وما يهمنا في هذا الموضوع هو وثائق زيكيليكس حرب العراقكيف نستفيد من مثل هذا النوع من الوثائق في رحلة فهم الواقع و التحليل السياسي؟ لقد جرت العادة أن يتم الكشف عن الوثائق السرية بعد مضي 25 عاما أو أكثر، كما تحصل تسريبات صغيرة من حين لآخر سواء متعمدة أو غير متعمدة، لكن هذه أول مرة تحدث فيها تسريبات بهذا الحجم، وقد رفضت الإدراة الأمريكية هذا التسريب ونددت به، وهي تهدد صاحب موقع ويكيليكس، وتنذر بالخطر على جنودها.

دعونا نقول أولا كما قال الكثيرين بأن هذه الوثائق لا تأتي بجديد، بل هي دلائل ووثائق على ما كان الكثيرون يقولون، ولقد كان من الثابت ضلوع إيران والمليشيات الرافضية في جرائم الإبادة، لكن الشكوك أيضا كانت تحوم كثيرا حول المالكي، وطال الزمن ثم قرر المالكي في النهاية أن يقوم بمسرحية، فوضع الصدريين كبش فداء لكي يظهر بصفة المحارب للإرهاب، لكن كثيرا من المراقبين ظلوا على شك كبير بذلك، لأنهم انطلقوا من دراسة عقيدة الشيعة التي تأمر بقتل السنة، إضافة لأخذ العبرة من أحداث التاريخ السابقة، ولقد دكرنا في موضوع سابق “كيف نبدأ بفهم الواقع من حولنا؟ 2″ أننا نستطيع استشفاف الحقيقة حتى قبل ظهور الوثائق والأدلة الدامغة، وها هي الأدلة تثبت بعد ظهورها صحة ما ذهبنا إليه.

وقد كثر الاختلاف في تفسير هذه الوثائق، وفي تحميل مسؤولية الجرائم لإيران أو أمريكا، كل بحسب طبيعة نظرته وتوجهه السياسي، وطبعا هذه الوثائق بأعدادها الضخمة تحتاج كثيرا من الوقت حتى تتم دراستها دراسة وافية والوصول منها إلى نتيجة متكاملة، إضافة إلى أنه يجب علينا أن نعتقد أنها بقضها وقضيضها لا تحمل الصورة الكاملة لكل ما حدث، ويبرز الآن سؤال مهم، كيف نحدد المسؤول الحقيقي عن الجرائم وكيف نوزع المسؤولية بين المشاركين؟ ومن كانت مشاركته فردية ومن كانت مشاركته مؤسسية ممنهجة؟ هل يمكننا الوصول إلى إجابة قبل اكتمال دراسة هذه الوثائق التي تعد بالآلاف، وقبل دراسة الواقع على الأرض وقيام التحقيقات وظهور مزيد من الحقائق والأدلة؟

الجواب هو نعم، بالعودة مرة أخرى لدراسة العقائد والاعتبار بدروس التاريخ، نستطيع رسم صورة تقريبية ذات تفاصيل لا بأس بها، ووذلك لأننا بحاجة ماسة لهذا فورا، ولأن إنتظار الحقائق لتظهر يعني أن ذلك سيكون بعد فوات الأوان وبعد أن يكون الصغير قبل الكبير قد عرف بكل شيء، كما ان فقه الواقع يحثنا على أن نعرف الفتنة ونتجنبها وهي قادمة لا أن نراها وهي مدبرة بعد انتهاء وقت الامتحان.

نقول وبالله التوفيق بأنه لا شك إن الجميع سواء من إيرانيين والمليشيات الطائفية الرافضية والبعثيين وتنظيم القاعدة والجيش الأمريكي وشركات الحماية الأمريكية وحكام أمريكيين عسكريين وحكام عراقيين منتخبين كلهم ضالعون في هذه المجازر الرهيبة، لكن الاكتفاء بمثل هذه النتيجة هو تسطيح للحقيقة، ففي محاكم الجنايات يتم التفريق بين حجم جريمة كل مجرم بكل دقة، وهذا ما يجب علينا القيام به لنعلم من هو أشد عداء لنا، حيث لا نستطيع مجابهة كل الأعداء مرة واحدة، بل يجب معرفة من هو الأخطر ومجابهته أولا وتحييد الباقين ما أمكن إلى أن يتم التخلص من العدو الأشد خطرا، ثم يتم البدء بالعدو التالي في شدة الخطر، وهكذا.

مختصر الكلام هو أن إيران في الوقت الحاضر هي رأس الحربة وهي المحرك الرئيس لهذه الجرائم وهي محرك تنظيم القاعدة أيضا، أما أمريكا فهي راحلة من العراق عما قريب، بينما إيران هي العدو الباقي والمتربص بنا منذ آلاف السنين، نعم تجب معاداة ومحاربة أمريكا، وكشف دورها وفضح ومحاسبة ومحاكمة المسؤولين والمتسترين على الجرائم محاكمة حقيقية، ولكن ليس بطريقة تحميلها كل الجرائم وتبرئة إيران ووكلائها في حكومة العراق من الجرائم، فهؤلاء من أبناء العراق وجريمتهم بأهل وطنهم بألف جريمة من جرائم الغريب، ولولاهم ما قامت هذه الجرائم، كما أن إيران الجارة التي تزعم أنها جمهورية إسلامية والمفروض بها حماية إخوانها العراقيين من الأمريكان، قامت بأفظع وأشد مما قام به الأمريكان، فجريمتها مضاعفة في الكم والكيف، وفي الإعتبار من حيث أنها تدعي الإسلام وتدعي نصرة القضية الفلسطينية، فأي نصرة هذه ممن تقتل أبناء العراق السنة، وتقتل الفلسطينيين في العراق لأنهم سنة؟!

Scroll to Top