القاعدة لغةً: هي الأساس. واصطلاحاً: حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته أو أكثرها، لتِعرَفَ أحكامها منه.
القاعدة الفقهية: هي المبادىء العامة في الفقه الإسلامي التي تتضمن أحكاماً شرعية عامة تنطبق على الوقائع والحوادث التي تدخل تحت موضوعها([1]).
ومن الأمثلة على القواعد الفقهية: ((الأصل في الكلام الحقيقة)). ((الأمور بمقاصدها)). ((اليقين لا يزول بالشك)). ((لا اجتهاد في مورد النص)). ((الأصل براءة الذمة)). ((المشقة تجلب التيسير)). ((الضرورات تبيح المحظورات)). ((الضرورة تقدر بقدرها)). ((لا ضرر ولا ضرار)). ((درء المفاسد أولى من جلب المصالح))، وغيرها.
فالقواعد العامة وُضِعَتْ لتحقيق المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية, ونحن لن نتوسع في مباحث الفقه السياسي، في هذا البحث، ولكن أردنا إلقاء الضوء على أهمية هذه القواعد الفقهية في مجال السياسة الشرعية، أو ما يسميه البعض الفقه السياسي، فإن لهذه القواعد مصادرها الخاصة، فقد كُتب الكثير في هذا الباب قديماً وحديثاً([2]).
الفقه السياسي:
((هو مجموعة الأحكام الشرعية التي تتناول الأحكام السياسية، كالحكم، وإدارة الدولة، والعلاقات الخارجية. وهذه الأحكام مستنبطة من مصادر الفقه الإسلامي، بالإضافة إلى الأعراف والتقاليد التي درجت عليها الدولة الإسلامية بما لا يتنافى والمبادىء الإسلامية)).([3])
ويعرفه الأستاذ عبدالوهاب خلاّف بقوله:
((إن علم السياسة الشرعية يُبحث فيه عَمّا تُدَبّر فيه شؤون الدول الإسلامية من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام، وإن لم يقم على كل تدبر دليل خاص))([4]).
العمل السياسي:
((مجمل النشاطات والمواقف والآراء السياسية التي يتبناها الأفراد، أو الجماعات تجاه الدولة، أو الحكم))([5]).
مدى الحاجة لقواعد الفقه السياسي:
لا شك أن الكتاب والسنة هما رأس مصادر التشريع الإسلامي، ولا شك كذلك في ضرورة توفر الضوابط والأصول العامة لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، وهذه القواعد والأصول قد بسطت فيما يعرف بكتب أصول الفقه الإسلامي. وعلى طالب العلم أن يرجع إليها في مظانها ليستقيم أمر الفقه لديه، ومنه فقه السياسة الشرعية الذي نحن بصدد دراسة بعض مباحثه وفقهه المعاصر.
((فقواعد الفقه السياسي الإسلامي مرتبطة ارتباطاَ وثيقاّ بتحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها العامة. والمصالح المرسلة تدخل ـ ضمناَ ـ في مصادر تلقي الأحكام الشرعية المنضبطة بقواعد كلية))([6]). ولبيان خطر التفريط بهذا الفقه، أو فهمه بخلاف الواقع، نضرب لذلك مثالاً نظرياً وآخر واقعياً:
المثال النظري على أهمية الفقه السياسي:
لو فرضنا وجود عدوين للمسلمين، الأول (س)، والثاني (ص)، وكان العدو (س) أشد عداءً للإسلام وللمسلمين، من العدو (ص) بعشرة أضعاف. ولكن لو استطاعت جهةّ ما لظرف من الظروف أن تُغيّر هذه الحقيقة في أذهاننا، فأصبحنا ننظر إلى العدو الثانوي (ص) على أنه العدو الأكبر والأخطر علينا من العدو (س) بأضعاف مضاعفة. ماذا سيترتب على ذلك؟
لا شك أننا سنوجه جميع طاقاتنا لمحاربة العدو الوهمي أو الثانوي (ص)، ونترك العدو الحقيقي الأكبر يفتك بنا، ولن نشعر ونحن نتجاهل الخطر الأكبر بأننا مُضَلّلون أو مخدوعون أبداً. لأننا نعتقد بصحة تصوراتنا وفهمنا للواقع، ولا نحسب أننا على غير هدىً البتة. ولك أن تتصور ما سيحل بالأمة الإسلامية إذا استمرت على هذه الحالة من التضليل السياسي الذي قلب الحقيقة واستنزف الطاقة. هذه نتيجة تصوراتنا الخاطئة في تصنيف الأعداء، فكيف إذا ازداد الأمر بنا سوءا، فأصبحنا نرى المعروف منكرا والمنكر معروفاً كما هو حاصل معنا هذه الأيام؟
ومن أمثلة هذه الحالة التي نرى فيها المعروف منكرا والمنكر معروفاً، ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه سلم في زمن السنوات الخداعة، التي يُصَدّق فيها الكاذب ويُكَذّب الصادق، ويُخَوّنُ فيها الأمين ويُؤتمن الخائن. وهذه المظاهر الخداعة إنما نتجت عن الجهل في فقه الواقع السياسي، وقيام جهات مشبوهة بعكسه لدى المسلمين، فلنتنبّه.