في ظل ضعف المواقف العربية ـ لعدد من الاسباب ليس هذا مكان ذكرها ـ فإنهم لا يستطيعون أن يكونوا كما يريدون أن يكونوا حيثما يكونوا، ففي مثل هذه الحالة علينا بالقاعدة التي تقول: (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، (ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه)، وهذه الاقوال ليست بعيدة عمّا رخص لنا وخفف عنا الشارع الحكيم في حالة الضعف، حيث قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج 78)، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ( البقرة 286)، فعند عدم القدرة يسقط التكليف الواجب عن الأمة لحين القدرة على القيام به، وعليه ففي مثل هذه الأوضاع العويصة في مسيرة إجبار إسرائيل على القبول بالدولة الفلسطينية، وفي ظل الانحياز الأمريكي لإسرائيل والمشوب بكثير من خيبة الأمل بسبب موقفها، في هذه الأحوال تبدو الظروف مواتية والفرصة سانحة لقيام الدول العربية بحركة جديدة على غرار قطع تصدير النفط عن الغرب وأمريكا في عام 1973م، وقبل أن ننفعل بالحماسة، يجب أن نعرف الفرق بين الموقف الأمريكي في كلا الحالتين، ففي هذه المرة يبدو أن الإدارة الأمريكية محتاجة من العرب إلى موقف حازم وشديد لكي تتذرع به أمام إسرائيل لتليين الموقف الاسرائيلي المتصلب تجاه حقوق الشعب الفلسطيني.
وما كان هذا الموقف العربي المأمول ضد أمريكا ليكون في هذا الوقت لو لم يكن الوضع الدولي والشعبي العالمي يسمح بذلك، فقد أصبح موقف الغرب والموقف الامريكي مع تراكم الجرائم والتجاوزات الإسرائيلية أقل تعاطفا مع إسرائيل وأكثر ميلا إلى الوقوف مع الحق العربي والفلسطيني، بمعنى أنهم بحاجة إن صح التعبير إلى شعرة تقصم ظهر البعير تعينهم على الانفكاك من الوصاية الاسرائيلية التي احرجتهم ولا زالت أمام العالم فالمواقف الدولية آخذة بشكل ملموس وواضح في الانحياز للعرب ضد العنصرية الإسرائيلية اليهودية. ومما يعيننا أكثر هو أن الموقف الأمريكي ليس منحازا على الدوام مع إسرائيل، حتى قبل انهيار الفكر العنصري العالمي، فقد أجبر الرئيس الأمريكي أزنهاور إسرائيل على الانسحاب من سيناء عقب احتلالها في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ثم أعادت الادارة الامريكية بضغط منها ارض سيناء المحتلة لمصر.
أما في حرب 1973 فقد ظهر جليا فائدة قيام الدول العربية في الزمان والمكان المناسبين وفي الظروف المواتية بتوجيه ضربة فعالة ذات أثر إيجابي لأمريكا، وفي نفس الوقت لم يكن لها الكثير من ردود الفعل السلبية ضد الموقف العرب حينها، فقد كان الغرب في قرارة نفسه مقتنع بالحق العربي، كما أن التوقيت كان مناسبا جدا ولم يؤدِّ إلى خسارة كبيرة في العلاقات معهم، أما الآن فالتوقيت يبدو أكثر مناسبة من ذي قبل لقيام العرب بتوجيه توبيخ واحتجاج عالي اللهجة وصراخ في وجه أمريكا لعدم قدرتها بممارسة مزيد من الضغوط على إسرائيل للانصياع لقرارات الامم المتحدة والخروج عن عقلية العيش بالقلعة، وإحراج امريكا عالميا خاصة أمام أوروبا التي تبدو أكثر جدية في الضغط على إسرائيل. بل يبدو أن الإدارة الأمريكية هذه المرة توّاقة لمثل هذه (البهدلة) من العرب ليكون في ذلك حجة لها أمام العناد الإسرائيلي وضغط اللوبي اليهودي لإجبار إسرائيل بالقبول بشروط العرب، وعدم وضع مزيد من العراقيل في طريق السلام.
فإسرائيل هي أكثر من يدرك ويحترف مثل هذه اللعبة وهي تعرف متى توجه الانتقادات و(البهدلات) إلى واشنطن وتتهمها بالتخاذل أمام العرب، دون خسارة العلاقات الوثيقة معها، رغم أنها علاقة ذات اهمية كبرى وحاسمة بالنسبة لوجود دولة إسرائيل، إلا أنهم يعرفون متى يخاصمون أمريكا ومتى يصالحونها، فحري بنا في هذه الظروف الحاسمة خاصة مع قلة البدائل الفعالة أن نقوم بدراسة جدية لنتائج مثل هذا العمل والاسلوب الجديد في التعامل مع أمريكا، وحساب المكاسب والخسائر بدقة، فهل حان وقت الصراخ في وجه أمريكا؟ اعتقد أننا في الوقت المسموح به، والله أعلم.
تحديث: