إن نظرة فاحصة في وسائلنا وطرقنا في فهم الواقع من حولنا تظهر لنا ضعفا واضحا وخللا كبيرا فيها، فأغلبنا متأثرون كثيرا بما يتم عرضه وتقديمه في وسائل الإعلام، ولا نكلف أنفسنا بالبحث والتنقيب عما تم إخفاؤه من حقائق وراء الكواليس، ولست أزعم هنا أن بمقدور أحد القيام بذلك بسهولة، فمعلوم أن كثيرا من الحقائق والأحداث يتم إخفاؤها ولا سبيل لمعرفتها في حينها، فكيف يمكن لنا في هذه الحالة الوصول لمعرفة الواقع بشكل صحيح؟
وعلى الرغم من إخفاء معظم الحقائق والأحداث من وسائل الإعلام وخاصة تلك التي تفضح مخططات القوى المتآمرة على العالم وأغلبها يهودية، إلا أنه يحصل من حين لآخر تسرب لبعض الحقائق، كما يتم الكشف عن كثير منها بعد انقضاء فترة أكثر من ثلاثين سنة، وهنا تكمن كثير من أسرار فهم الواقع الحالي الجديد في ضوء المعلومات القديمة، فلو نظرنا للتاريخ نجد أن كثيرا من الأحداث تعيد نفسها، وأنها كثيرا منها يمكن استخلاص قواعد للتنبؤ بما ستؤول إليه من نتائج، وهذا وحده لا يكفي، بل يجب ربطه بما يظهر من بعض الحقائق عن الحدث الجديد، إضافة لأخذ العقائد والظروف والملابسات والمصالح في عين الاعتبار في تقديم التحليل والتنبؤ السياسي حول قضية جديدة لا تزال مبهمة.
على أنه من الجميل أن نعلم أن عددا كبيرا من الأحداث الجديدة لها سوابق لا حصر لها في الماضي ومعظمها كان يؤدي لنفس النتائج، وهذه الأحداث يمكن الوصول فيها لتنبؤ بنسبة عالية من الدقة في ضوء سوابقها التاريخية، والأهم أنها تقدم لنا أضواء تساعد كثيرا في فهم الأحداث الأخرى الأكثر غموضا. ولنأخذ على ذلك مثالا، مصطفى كمال أتاتورك (اليهودي) مؤسس الجمهورية العلمانية في تركيا والذي قضى على الخلافة الإسلامية، لم يكن في بداية دعوته يظهر علمانيته وحقيقته، بل تحالف في الظاهر مع مشايخ وعلماء صوفيين، بهدف إصلاح الدولة والأوضاع، وبعد أن وثقوا به ووصل إلى الحكم قام بعكس ما كان يعدهم به، حيث قضى الخلافة بدل أن يصلحها، وقضى على كل من عارضه، ومثال آخر تكرر بنفس الوتيرة في نفس الفترة الزمنية، حيث تحالف لينين قائد الحزب الشيوعي البلشفي في روسيا القيصرية مع المسلمين في أوزبكستان وما حولها، ووعدهم بتحريرهم من الاحتلال القيصري وإعطائهم استقلالهم مقابل مساعدته على الانقلاب ضد السلطة، وبعد أن تم ذلك، نكث بوعده وقام باحتلال البلاد وعمل جرائم وحشية بالمسلمين أشد مئات الأضعاف مما كان في عهد القياصرة.
أما جمال عبد الناصر فقد كان عضوا سريا في أربع خلايا لأحزاب شيوعية وماركسية، من أهمها حزب “حداتو”، حيث تحالف مع التيار الأقوى على الساحة الإخوان المسلمين، وانضم إلى جماعتهم، ووعد بإقامة الحكم بما أنزل الله بعد أن يستولي على الحكم لكونه من ضباط الجيش ولديه كثير من الضباط المناصرين في تنظيم الضباط الأحرار، ثم بعد وصوله للحكم، فإن أول ما قام به بعد نكث عهده هو التنكيل بحلفائه السابقين وزجهم في السجون، فلو أنه كانت لدى الإخوان المسلمين فكرة عما فعله سابقا أتاتورك ولينين لربما كانوا لم يلدغوا من الجحر نفسه مرة أخرى، ولهذا فإنه لا يمكن الاستهانة أبدا بأحداث التاريخ الماضية،وخصوصا أنها معروفة ومكشوفة، وهي تكاد تكون شاملة في تنوع أحداثها لكل ما يمكن أن يواجهنا من مستجدات وأحداث لا تزال غامضة.
والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.