أولا الخلافات بين اليهود بشأن السيطرة على العالم
المسألة اليهودية هي جوهر العقيدة اليهودية المنبثقة من التوراة والتلمود، وبالتالي هي جوهر الصراع ومردّه بينهم وبين الأمم الأخرى من غير اليهود الذين يطلقون عليهم (الرعاع) أو (الجويم). وقد سبق بيان حقيقة المسألة اليهودية والأدلة والبراهين التي يستدل بها اليهود على الاعتقاد ووعد الله لهم بها ـ زعموا ـ في موضوع حقيقة خطر اليهودية العالمية، وبما أن اليهود ليسوا على قلب رجل واحد، بل افترقت اليهود الى إحدى وسبعين شعبة، كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن المسلّم به والبدهي أن تختلف تلك الفرق اليهودية حول وسائل حل المسألة اليهودية وزمن تطبيقاتها، وهل الحل يكون حلاً إلهيا بقدوم مسيحهم المنتظر الذي لا دخل للبشر بقدومه، أم أن الحل يكون بالأخذ بالأسباب المادية المؤدية إلى تحقيق أحلامهم بالسيطرة على العالم واستعباده ونهب ثرواته.
لذا فقد انعكس هذا الخلاف على موقف اليهود المعاصرين بالنسبة للسيطرة على العالم، ففي حين يفضل اليهود ذوي الأصل السفاردي (الإسباني) التغلغل في الماسونية والحركات السرية للقيام بقلب أنظمة الحكم كما في حالة الثورة الفرنسية والثورة الأتاتوركية، حيث إن كل من يهود الدونمة في تركيا ويهود اليعاقبة الذين قاموا بالثورة الفرنسية جميعهم من فروع حركة المسيح الكذاب شبتاي تسفي وهم جميعا من أصل سفاردي، ويميل هؤلاء لإقامة حكم ديكتاتوري إرهابي دموي في صورة حكم علماني يزعم أنه ديمقراطي حر.
أما اليهود ذوي الأصل الأشكنازي البولندي ومعظمهم من يهود دولة الخزر، فيفضلون الثورات الشيوعية والاشتراكية وهي أكثر ديكاتورية ودموية من الحكم السفاردي، كما يصادرون جميع الأملاك بطريقة التأميم المباشر، وقد كان أجداد السفارد (بني إسرائيل) يعملون بنفس الطريقة في العصور القديمة مثل دولة القرامطة الاشتراكية اليهودية وكذلك دولة الفاطميين الاشتراكية ودولة اليهودي أبو رغال في الطائف قبيل الإسلام. ولكن الأمور تظهر في العصر الحديث على نحو يبدو فيه أن السفارد عندما يحكمون فإنهم يميلون أكثر للسيطرة على إصدار النقد في البنك المركزي أكثر من تطبيق التأميم المباشر، كما فعلوا في الثورة الفرنسية والتركية، وقد يعود السبب إلى تأثرهم التراكمي عبر الأجيال بسماحة الحضارة الإسلامية في الأندلس، وأيضا تأثرهم إلى حد ما بالإتكيت والرقي الغربي الأوروبي في العصور الحديثة.
وفي القرن العشرين اختفت إلى حد كبير الفوارق بين الأشكناز والسفارد، كما قامت قيادة اليهود العليا بتسليم الراية الثورية اليهودية للشيوعيين وانتهى دور الماسونيين على صعيد الثورات، ويبدو أن السبب هو أن ثورات الأشكناز هي التي تطابق معايير العقيدة اليهودية وطريقة بني إسرائيل الوحشية القديمة، ولأنها هي التي نجحت في إخضاع نصف الكرة الأرضية للسيطرة الديكتاتورية اليهودية الشيوعية، بخلاف الثورات الماسونية التي نجحت في بعض الدول وأخفقت في كثير منها، كما هاجر ملايين من اليهود الروس الأشكناز الشيوعيين إلى أمريكا قبل نجاح الثورة الشيوعية، ثم أصبحوا يقومون بأدوار اللوبي اليهودي التي هي كانت من أدوار السفارد في أوروبا، ولكن يبدو وكأن القيادة العليا الخفية للمخطط اليهودي تدرك وجود خلافات حقيقية بين مختلف التيارات والمجتمعات اليهودية، وتحاول أن تستفيد منها في توزيع الأدوار وإخفاء حقيقة المخطط من خلال إظهار هذه الخلافات على أنها خلافات حقيقية، وهي حقيقية فعلا لكن يتم إدارتها كما لو كانت إلى حد كبير أمراً متفق عليه مسبقاً، فاليهود لا يخلقون الأحداث بقدر ما يستغلونها لصالحهم.
أما الخلاف بين فرق اليهود الدينية، فإنه برغم كثرة التجمعات اليهودية واختلاف مظاهر حضارتها وأزيائها ولغاتها، وحتى برغم الخلافات العقيدية بينهم إلا أن العقيدة التلمودية (الشعب المختار) هي الغالبة، وهي المحرك الرئيس لسعي اليهود للسيطرة على العالم، باستثناء قلة من بعض الأفراد والفرق لا يؤمنون بها مثل يهود جبل جرزيم واليهود القرائين، أما في العصر الحديث ونتيجة العلمانية والحداثة التي كان اليهود سبب وجودها، وانعكاسها على اليهود أنفسهم، فقد تمسك حرفيا باليهودية الحاخامية التقليدية نسبة قليلة وهؤلاء أصبحوا يسمون باليهود الأرثوذكس (أي الأنقياء)، كما تمسك الأغلبية بروح وجوهر اليهودية وجوهر عقيدة الشعب المختار وهؤلاء يدعون اليهود المحافظون، إضافة لظهور فرقة اليهود الإصلاحيين الذين يزعمون أنهم تركوا عقيدة الشعب المختار وقاموا بإصلاح جذري في عقيدتهم اليهودية، لكن شدة دعمهم لإسرائيل، وشدة دعمهم للحركات الليبرالية واليسارية والانحلال الخلقي يكذب دعواهم.
وهكذا يمكننا أن نقول في النهاية بأن اليهود كما قال الله عنهم: “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى” [الحشر:14] ولكنهم مع تراكم خبراتهم أصبحوا ماهرين في إدارة خلافاتهم وحتى استغلالها في صالح العمل من أجل عقيدتهم، لكن هذه الخلافات تظل موجودة ويمكن لنا أن نستغل بعضا منها بحذر شديد وفهم عميق في معركتنا معهم، كما أنه من الضروري جدا أن نفهم طبيعة هذه الخلافات ودورها الحقيقي في سير الأحداث السياسية العالمية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اقرأ أيضا: الخلافات بين اليهود بالنسبة لدولة إسرائيل
مرتبط