قال الأستاذ الشيخ محمود عبد الرؤف القاسم (رحمه الله):
(( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))[النور:55].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [70] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ))[الأحزاب:70ـ 71].
توضح لنا الآية الأولى أن الطريق إلى الاستخلاف في الأرض حسب سنن الذين كانوا من قبل وإلى التمكين هو الإيمان والعمل الصالح (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم..)).
والآية الثانية (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم..)) توضح لنا طريقاً، بل الطريق إلى العمل الصالح الذي هو تقوى الله سبحانه والقول السديد.
أما تقوى الله سبحانه فمعروفٌ مجملها، وهو اتباع أحكام القرآن وصحيح السنة. والاختلاف في تفصيلها يمكن مناقشته مع العلم أن أكثر الاختلاف ناتج عن أغلاط أو غفلة أو سوء فهم أو ضلال مبين وغير مبين، ومع العلم أن بعض الضلال، أو المذاهب هدفه الكيد للإسلام.
وموضوعنا هنا هو القول السديد ((…وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا))، والقول السديد هو القول الذي لا يوجد فيه أخطاء تخالف الشرع أو تخالف الواقع، وهو، أي القول السديد، ينبثق أو يترجم عن الفكر السديد والفهم الصحيح والمعرفة اليقينية “علم اليقين”.
إذن، فإذا أردنا أن ننتصر بإسلامنا، فجيب علينا أن نفهم هذا الإسلام فهماً صحيحاً سليماً، وليس على مبدأ “إنا وجدنا آباءنا..” بل على الدراسة العلمية المستقصية لكل ما وصلنا بما في ذلك ما قال أسلافنا من العلماء والمفسرين والمجتهدين.
ويجب أن نعلم أن مقولة “كلهم عن رسول الله مقتبس” التي يستعملونها لتبرير أغلاط علمائنا السابقين هي مقولة فاسدة، بل وخطرة، لأن الواقع أن هناك صواباً وغلطاً، وكل ابن آدم خطاء، ويجب على علمائنا أن يجتهدوا ليميزوا الغلط من الصواب، وهذا بالنسبة للأمور الشرعية.
أما بالنسبة لأمور الواقع، فيجب أن نعلم أننا نعيش الآن فتنة الدجال التي سيظهر الدجال في أخرها، وأن كل معلوماتنا عن الواقع، أو تسع وتسعون بالمئة، هي أغلاط بعضها فادح.
فيجب علينا إعادة دراسة الواقع مستفيدين من دراسة عقائد الأقوام وفلسفاتهم من كتبهم وأساليبهم، ثم دراسة تاريخهم القديم والحديث دراسة منبثقة من التقصي والبحث عن الحقائق التي أخفاها الدجل الممنهج والمبرمج والتقيّة المتقنة.
إن الدليل على أن أفهامنا وانطباعاتنا عن الواقع كلها مغلوطة وغير صحيحة، هو أن واقعنا غير سليم وغير مفهوم للنظرة السطحية وغير مقبول، وهذا يعني أن أقوالنا غير سديدة كما تقرر ذلك الآية الكريمة، وهذا يعني أن أفكارنا ومفاهيمنا عن الواقع غير صحيحة.
ومن أكبر أغلاطنا، بل ضلالاتنا، تلك المقولة الكافرة التي تربط صلاح الأمة بوجود الخليفة، هذه الفكرة التي تناقض آيات القرآن الكريم التي منها الآيتان الواردتان أعلاه، والتي بثها في الأمة ويبثها حزب التحرير، فألغت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن هذا يلهي عن الهدف الوحيد الذي هو الخلافة، وهكذا أدخلوا كثيراً من أفراد هذه الأمة في متاهات اتباع سنن بني إسرائيل الذي تقرره الآية الكريمة (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [78] كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ))[المائدة:78ـ 79]. وأخرجوهم من حكم الآية ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ))[آل عمران:110] وبعاملي التكرار الغزير الغزير والزمن دفعوا الأمة إلى المتاهات التي تعيشها الآن، وهيؤوا كثيراً منها ليكونوا جنوداً تقوم على أكتافهم الانقلابات الماركسية التي ليس لمؤسسيها ومحركيها إلا هدف واحد هو إقامة إسرائيل الكبرى.
وطبعاً، الدجل الذي لا حدود له هو السدى واللحمة للفتنة.