كنت مثل معظم الناس ومعظم الكتاب والمفكرين السياسيين أظن الشيوعية قد انتهت بلا رجعة بانهيار الاتحاد السوفييتي ، ولكن كان هناك بعض الكتاب المتبحرين والمحترفين بشؤون التكتيكات الشيوعية يحذرون من أنها خدعة شيوعية تاريخية كبرى، ويستند هؤلاء على أن الشيوعية قد قامت من الأساس على الخدع التاريخية وظلت تستمر في الخداع في كل مرحلة بدءا من خداع جماهير العمال و الفلاحين وزجهم في أتون الثورة الشيوعية ، وخداعهم بالحصول على حقوقهم، ولكنهم بعد ازدادوا بؤسا وفقرا لدرجة الموت من الجوع، ثم في مراحل أخرى اعتمدت الشيوعية سياسة مهادنة الأديان بدلا من محاربتها بشكل علني، ومحاربتها بشكل غير مباشر.
كما اعتمد هؤلاء الذين حذروا من خدعة انتهاء الشيوعية على قواعد أيديولوجية أسسها ماركس و لينين ، حيث تقتضي في حالة فشل الوصول للمجتمع الشيوعي بضرورة التظاهر مؤقتا بالتخلي عن الشيوعية واعتماد الرأسمالية من أجل بناء اقتصاد الدولة وصرف الأنظار عن خطر الشيوعية ، ثم يتم العودة للشيوعية في غفلة الناس عنها ومن دون سابق إنذار حيث يكونون قد أسسوا قواعد و خلايا شيوعية سرية في طول العالم وعرضه، وهذا يساعدهم على تحقيق سيطرتهم على العالم بأجمعه دفعة واحدة من دون المرور بمرحلة حرب باردة أو مواجهة قد يخسرونها كما حصل في السابق.
كان هذا التحذير في السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي يبدو ضربا من الجنون !، وهذا ليس شيئا غريبا، فكثير من أكبر النظريات العلمية كانت تعد ضربا من الهلوسة في وقت ظهورها، ثم ثبت أنها من أكبر الحقائق العملية، مثل حقيقة أن الأرض تدور حول الشمس التي كان غاليليو قد قال بها، واعتبر مجنونا وتم إعدامه حرقا، وكما حصل مع تلك النظريات ففي الوقت الحالي ظهرت كثير من المؤشرات والدلائل القوية على عودة الشيوعية الثورية التي تهدف للسيطرة على العالم ، وليس بأدل على ذلك من الصعود السريع للقوة الصينية التي حافظت على مبدأ الشيوعية و الحزب الشيوعي وتطبق حرفيا توصية لينين بضرورة الاعتماد على الرأسمالية لبناء الاقتصاد، وذلك طبعا بعد فشل كافة المحاولات السابقة من القفزة الصناعية العظيمة إلى الثورة الثقافية ، حيث يمكنهم بعد أن يصبحوا أقوى قوة في العالم أن يفرضوا النظام السياسي الشيوعي على العالم بأجمعه، فالعبرة في ذلك التحذير ليست بمدى كم هو نظرية علمية مألوفة، وإنما بقدر ما يستند عليه حقائق وبراهين علمية صلبة.
وآخر هذه المؤشرات فيلم وثائقي من إنتاج الـ BBC وقد بثته قناة الجزيرة الوقائقية اسمه ” عودة ستالين” بكل ما يمثله ستالين من قمة الوحشية وقمة تطبيق مباديء الشيوعية الديتكاتورية الوحشية، يتحدث الفيلم عن قيام رئيس الوزراء الروسي بوتين بإطلاق مشروع تعليم ” التاريخ الإيجابي ” لطلاب المدارس، حيث يتم تعظيم الأوجه الإيجابية في تاريخ الحقبة الشيوعية مثل انتصارهم في الحرب العالمية الثانية، وفي نفس الوقت التقليل إلى أبعد حد من ذكر فترات الاعتقالات و الإعدامات الجماعية و المجاعات الشيوعية التي قضى فيها عشرات الملايين، واختصار هذه الأرقام إلى بضع مئات من الألوف في دروس قليلة، ويتم التبرير لهذا بأن الطلاب يجب أن تتم تربيتهم تربية وطنية قوية بعيدة عن ذكريات المآسي المظلمة، وواضح أن هذا التبرير لتحريف و تزوير التاريخ مطابق لما كان يحدث في عهد الشيوعية ، وهذا يعني أن تلك المآسي سوف تتكرر، وأن معاناة عشرات الملايين تلك قد ذهبت سدى بلا عبرة لمن يعتبر، إذا لماذا عليهم أن يمحوا من ذاكرة الأجيال جرائم الشيوعية الفظيعة المثبتة؟ ألي لأنهم يخططون لعودة الشيوعية لتكون مقبولة؟ فلماذا لا يقوم الإعلام الدولي بتبني هذه القضية كما تبنى قضية جرائم المهاجرين الأمريكيين بحق الهنود الحمر؟