ليس من اليسير ولا من السهل أبدا إجراء مقارنة دقيقة منصفة بين خيار المقاومة وخيار السلام في جميع نواحي الإيجابيات والسبليات لكل خيار على حدة، فخيار المقاومة أو الجهاد هو الخيار الأصلي والأساسي عندما يدهم عدو بلادنا ويحتل منها ولو شبرا من ارضنا، وتجب لأجل ذلك محاربة هذا المحتل وإخراجه بالقوة، وهو الخيار الشعبي والجماهيري المفضل. أما خيار السلام فهو خيار تحكمه ظروف خاصة جدا، لطالما كان مكروها شعبيا وجماهيريا، ولطالما كان محط تنزيل اللعنات والاتهامات الجاهزة على من قاموا باختياره، ولكن كالعادة لو سألنها أنفسنا: هل فكرنا جيدا وتحرينا عميقا قبل أن نتخذ موقفا من كلا الخيارين؟ أم أننا أسلمنا زمام قيادة تفكيرنا وعقولنا للعاطفة الجياشة؟ ماذا نخسر لو قمنا بإعادة النظر والبحث والتفكير بمواقفنا؟ فإما أن تكون صحيحة فنزداد تمسكا بها ويقينا، وإما أن تكون خاطئة كليا أو جزئيا فنعدل عنها، أو نصحح ما فيها من خلل، إذن دعونا ندخل في
صلب الموضوع.
نحن المسلمين يستحيل علينا في عصر كنا فيه قوة أن نقبل بمثل هكذا سلام، واليهود أيضا يستحيل عليهم في عقيدتهم القبول بمثل هكذا سلام طالما هم في موقع القوة الأكبر، إذن فما اللذي يجعلهم يزعمون أنهم يريدون السلام وما الذي جعلهم أول من كان يطالب بالسلام حتى قبل حرب 67، فهل في الأمر خدعة؟
ولماذا هم بحاجة إلى خدعة؟ أليسوا هم القوة الأكبر؟ للإجابة على هذا الأسئلة نعود قليلا للطريقة الشاذة التي قامت فيها دولة اليهود إسرائيل، فهي تختلف عن طريقة قيام أي دولة احتلال في التاريخ أي الطريقة التقليدية، فطريقة اليهود كانت في البداية كسب الدعم والتعاطف بالوسائل الدبلوماسية وتأييد ودعم الدول الكبرى التي كانت سوف تحتل أرض فلسطين ومحاولة أخذ وعد منها بإقامة ولو مجرد وطن قومي لهم وليس دولة ذات سيادة، ثم تحول الوطن القومي إلى دولة أيضا بواسطة دبلوماسية اليهود المسيطرين في الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن عام 47 رغم رفض بريطانيا وأمريكا آنذاك، وهذا الأسلوب الجديد في قيام الاحتلال هو بسبب حدوث اختلاف كبير في طبيعة العلاقات الدولية وعلاقات السلم والحرب في منتصف القرن العشرين نتيجة الحروب العالمية وقيام منظمة الأمم المتحدة.
ففي الحالة الأولى لن تكون جيوشنا هي الوحيدة التي تجتمع، فهناك أيضا جيوش الشرق والغرب تجتمع ضدها، كما أن هناك المنافقين في الداخل الأشد خطرا، خاصة اليساريين والثوريين، ولنا معهم في خيانة حرب 56 أو 67 ، خير عبرة ودليل. أما الخيار الثاني خيار جمع الشعوب، فهو أكثر استحالة من أن نفكر فيه، إذا ليس من المعقول أن نجمع الشعوب ونقدمها لحما طريا لأفران الإجرام الإسرائيلي، فالمحافظة على الأنفس المسلمة من أهم مقاصد الشريعة، كما أن اليهود العارفين جيدا بقوانين التاريخ قرروا وهم الأقوى في مؤتمر بال عام 1897 أنهم بحاجة لخمسين عاما ليحتلوا فلسطين ويقيموا دولتهم على أرضها. فلماذا نحن لا نقدر أن نسير بالطريق الصحيح المؤدي للتحرير ولو كان طوله خمسين عاما؟ فل و مشيناها من البداية على صواب لكنا الآن قد حررنا فلسطين، ولكن لأننا تأخرنا في البداية عن معرفة الطريق، بل سرنا عكسه، وعملنا على تخريب مسيرة الحكماء منا ممن أدركوا بعمق فهمهم للواقع سر التعامل مع الاعداء في حالة الضعف والهوان.
إسرائيل على القبول بالسلام، بعكس الحال تماما في فترة الخمسينيات والستينيات،حيث كانت تلعب إسرائيل على العرب أمام الغرب لعبة الظهور بأنها تحاول عبثا إقناعنا بالسلام ونحن نرفض فتكسب مزيدا من الدعم والتغاضي عن عنصريتها وجرائمها ظنا منهم أن العرب الرافضين للسلام أشد عنصرية وإرهابا. إن السلام نفسه لن يكون ولكنها لعبة كسبت بها إسرائيل في الماضي الدعم والتأييد لتقوم وتستمر، وهي نفس اللعبة التي بها سوف نكسب نحن أيضا ولتبدأ إسرائيل بالتراجع وينفض عنها الداعمون ويتركوها لمصيرها، فهي ستزول في النهاية إن شاء الله عسكريا كما بشرنا بذلك الحديث النبوي الشريف “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود…” الحديث.
فمتى نفهم أن هذه الحرب المذكورة في الحديث هي بيننا وبين اليهود وليس بيننا وبين جميع دول الشرق والغرب، وهذا لا يتأتى إلا بتحييدهم في الصراع، وهذا ما تقوم به عملية السلام التي يسمونها فاشلة والتي ترفضها إسرائيل وتعتبرها وصفة للقضاء عليها.