هذا الموضوع يحتوي قواعد ومهارات جديدة بعضها معروف وبعضها فريد وناتج عن تراكم خبرات وأبحاث جادة، لقد سبق أن أشرنا إلى هذا الموضوع في افتتاح العدد الأول كيف نبدأ بفهم الواقع الجزء1، ثم تحدثنا في الجزء2 عن الاستفادة من تجارب التاريخ باعتباره من أهم أسباب فهم الواقع، والآن سوف نفصل أكثر إن شاء الله ونتحدث عن المزيد من مهارات وملكات فهم الواقع وكيفية التحليل السياسي وتقييم مدى صحة الأخبار ومعقولية التحليلات السياسية التي نراها في الشاشات، فإذا كنت ممن يعاني من صعوبة فهم الواقع وتعاني من الصداع من كثرة اختلاف الآراء والتحليلات وتريد حلا جذريا فقد أتيت إلى المكان الصحيح إن شاء الله.
أولا: الشعوب لا تعي الواقع بطبيعة حالها الفطرية ولا تسعى لمحاولة فهم الواقع، فكل فرد في المجتمع لديه همومه وحاجياته، وهو متخصص بمهنته ويعتبر عاميا بالنسبة لأي مهنة أخرى لا يتقنها، ولذا يجب ألا نعتد كثيرا من الناحية العلمية بما تميل إليه الجماهير، وخاصة أنها عاطفية جدا، كما يجب أن نعلم ونوقن ونفهم جيدا انه يستحيل ومن سابع المستحيلات أن تخرج أي مظاهرة في أي مكان في العالم هكذا بشكل عفوي، يعني أن يخرج الناس في وقت واحد وإلى مكان معين هكذا من دون وجود هيئات وأفراد ينسقون ويرتبون التظاهرات، وهذا الحال ينطبق على كافة الظروف ومهما كان الناس يعيشون في حالة من الضغوط، وهكذا نفهم تلقائيا عند خروج أي تظاهرة أن وراءها مدبرين، وفي حالة كون الشعب في حالة من الضغط فإن ذلك يسهل كثيرا إخراج الناس للتظاهرات، لكنه لا يخرجهم من تلقاء أنفسهم.
وهذه القاعدة من المهم أن نعرفها لكي نضع في أذهاننا البحث دائما عن مصدر وأسباب أي تظاهرة سواء في حالة كانت الضغوط حقيقة كانت أم مصطنعة إعلاميا، وأيضا للبحث عن الجهات المدبرة والمنسقة للتظاهرة.
ثانيا: الإنسان المتواجد ضمن كومة من الجماهير يصبح ضعيف القدرات العقلية أمام أي خطاب او مشهد يتلقاه، ويصعب على الأغلبية الساحقة تمييز الصواب والخطأ في هذه الحالة، بسبب غلبة غريزة وعاطفة (القطيع) المتأججة في نفس الإنسان في هذه الحالة، بينما لو كان لوحده فيكون في حالته الذهنية الطبيعية، ولذلك يقول الله تعالى للمشركين: ” قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ” (46 سبأ)، لاحظوا “مثنى وفرادى”، لأن استمرار استماعهم للآراء حول نبوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشكل جماعي سوف يمنعهم من معرفة الحقيقة، وتكمن أهمية معرفة هذه القاعدة في توقع كثير من الأكاذيب والكلام العاطفي الأجوف في الخطابات الجماهيرية خاصة عند الحكام والرؤساء وقادة الأحزاب الذين يكثرون منها، لأنهم يدركون تماما أن الجماهير في هذه الحالة العاطفية لا تكاد تميز الصواب من الخطأ.
خامسا: الحكم على الهيئات والدول والاتجات والأحزاب والأشخاص يجب أن يتم أولا وبشكل رئيس من خلال العقيدة الدينية والأيديولوجية السياسية بتفاصيلها التي يحملونها، ثم يتم الأخذ بباقي المعطيات والظروف، والدليل هو أن الله تعالى في كتابه العزيز قد جعل منزلة بني آدم بما يعتقدنوه وما يدينون به، وجعل كل شيء آخر مبني عليها وتابعا لها، أما المصالح والعادات والتقاليد وغيرها فيه كلها عوامل متداخلة ومؤثرة ولكنها تابعة للأصل، فلا نقول إن المصلحة عند أي جهة أهم من العقيدة، وإذا ظهر لنا كأنه كذلك فلأن هذه الجهة لديها عقيدة أن الغاية تبرر الوسيلة، لكن الجميع حتى من نظن أنه بلا عقيدة أو مبدأ هو له عقيدة ومبادئ، والإنسان النفعي أو (المصلحجي) لديه مبدأ وعقيدة بأن مصلحته أهم من أي شيء آخر،أي أن الأمور في النهاية كلها تابعة للعقيدة.
اقرأ أيضا:
الشعوب لا تعي الواقع بطبيعة حالها الفطرية، ولا تسعى لمحاولة فهم الواقع، فكل فرد في المجتمع لديه همومه وحاجياته، وهو متخصص بمهنته ويعتبر عاميا بالنسبة لأي مهنة أخرى لا يتقنها، ولذا يجب ألا نعتد كثيرا من الناحية العلمية بما تميل إليه الجماهير، وخاصة أنها عاطفية جدا، كما يجب أن نعلم ونوقن ونفهم جيدا انه يستحيل ومن سابع المستحيلات أن تخرج أي مظاهرة في أي مكان في العالم هكذا بشكل عفوي،