بدأت مؤخرا الحركات الصوفية بالعودة مجددا للسطح وبدأ تأثيرها يعود تدريجيا بعد ضعف دام عدة عقود، وبدأ الناس من جديد تتناقشون وتختلف الآراء حول الصوفية، فما هي الصوفية؟ وما هي حقيقتها؟ هل هي الإسلام والإيمان الحقيقي كما يقولون؟ أم أنها الزندقة والكفر كما يقول آخرون؟
يسر مجلة العمق أن تقدم لقرائها الكرام هذه المجموعة من الموضوعات نلخص فيها بشكل رئيس الكتاب الشهير الذي طالما تمنى الكثيرون تلخيصه، والذي نال درجة عالية من ثقة العلماء وطلبة العلم في مختلف البقاع والبلاد الإسلامية، وهو كتاب: ” الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ ” للشيخ محمود عبد الرؤوف القاسم المتوفي عام 1429هـ الموافق 2007م (رحمه الله)، فأهلا بكم.
مذهب واحد:
يقول الشيخ محمود القاسم في كتابه آنف الذكر (بتصرف واختصار):
[لا يوجد إلا صوفية واحدة، غايتها واحدة، وحقيقتها واحدة (وسنرى أن طريقتها واحدة) منذ أن وجدت الصوفية حتى النهاية، وإن اختلفت الأسماء، وهذه براهين من أقوال عارفيهم (وصاحب البيت أدرى بما فيه)، قال الجنيد([1]) (سيد الطائفة): (الصوفية أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم)([2])، ويقول ابن عربي([3]) (الشيخ الأكبر): (…وينكرون الذوق؛ لأنهم ما عرفوه من نفوسهم، مع كونهم يعتقدون في نفوسهم أنهم على طريق واحدة، وكذلك هو الأمر، أصحاب الأذواق على طريق واحدة بلا شك، غير أن فيهم البصير والأعمى والأعمش، فلا يقول واحد منهم إلا ما أعطاه حاله، لا ما أعطاه الطريق، ولا ما هو الطريق عليه في نفسه([4])..)
ومذهب الصوفية هو الاتفاق في الأصول والفروع، أما الأصول فنهايتهم الشهود والعيان، وهم متفقون فيه لأنه أمر ذوقي لا يختلف([5]). هذه أقوال لبعض كبار القوم، نخلص منها إلى أن للصوفية عقيدة واحدة يدين بها كل المتصوفة قديمهم وحديثهم، وأن الطرق الصوفية (كالشاذلية والرفاعية والقادرية والخلوتية والنقشبندية واليشرطية والمولوية والبكطاشية والتجانية وغيرها وغيرها، وإن اختلفت أسماؤها، فهي كلها تؤدي إلى هدف واحد هو العقيدة الصوفية الواحدة.
فما هي هذه العقيدة؟ سيظن الكثيرون -بناء على ما تقدم- أنه يكفي لدراسة الصوفية أن ندرس عقيدة صوفي واحد، كالغزالي مثلاً، أَو ابن عربي، أو ابن عجيبة، أو غيره، ثم نطلق حكماً بكل ثقة واطمئنان على جميع المتصوفة، وإن حكمنا سيكون علمياً صحيحاً.
فنقول: هذا صحيح كل الصحة من الناحية العلمية، ولكننا أمام جماعة باطنية لهم عقيدة سرية، استهوت عقولهم ونفوسهم واستحوذت عليها، فلا يهتدون سبيلًا إِلا سبيلها، وهم يدافعون عنها بكل ما لديهم من إِمكانيات وبالمراوغات والمغالطات واللف والدوران وجميع الأساليب اللاعلمية واللاأخلاقية!
وكمثل على ذلك: إِنهم يعلمون يقيناً وخاصة الواصلون منهم أن الصوفية هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة الإسلامية، ومع ذلك فهم يكتمون هذه الحقيقة ويشيعون بين الناس أن الصوفية هي قمة الإسلام والإيمان وهي منتهى التقى والورع، وهي مقام الِإحسان! وقد انطلت هذه الخدعة على الناس وصدقوها، حتى لو قلت لأحدهم: إِن الصوفية زندقة، لثار عليك واتهمك الاتهامات التي لا تخطر لك على بال، رغم أَنه ليس صوفيًّا، ولكنه اقتنع بالخدعة وانجرت عليه ذيولها.
ومن الأجوبة التي نسمعها من غير المتصوفة أكثر الأحيان، ومن المتصوفة في بعضها، قولهم: الصوفية على وشك الانتهاء، أَو هي في طريقها إِلى الزوال، أو إِن الصوفيين قليلون لا تأثير لهم في المجتمع، أو إِن الكلام عنهم فيه مبالغة.. إِلخ.. مع العلم أن (90%) من الأمة الإِسلامية لهم صلة بالتصوف وأهله بشكل من الأشكال- كما يقول سعيد حوى- أما الحقيقة فنسبة المتأثرين بالتصوف تزيد على ذلك، بل والمدافعون أنفسهم الذين يدعون أن التصوف انتهى هم في أفكارهم ودفاعهم متأثرون بالصوفية إِلى حد بعيد.
أمام هذا الوضع الغريب عن الإِسلام، وعن قرآن الإِسلام، وعن سنة رسول الِإسلام.. أمام هذا الوضع الشاذ الذي تتخبط به المجتمعات الإسلامية.. أمام هذا الوضع، لا يكفي تقديم دراسة عن صوفي واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة! لذلك ستكون الفصول الآتية أقوالاً لأكبر عدد يمكن للكتاب أن يستوعبه من أئمتهم وكبرائهم، منذ الجنيد وأقرانه حتى أصحاب الطرق في أيامنا الحاضرة، بحيث لا يبقى مجال لأولئك المدافعين، ولا يبقى مكان لحججهم.
ويجب أن نتذكر دائماً، وأن لا ننسى أبداً أن التصوف مذهب واحد، كما يقرره أصحاب هذا المذهب العارفون الواصلون. وكل ما هو آت من الفصول إِنما هو براهين على ذلك، ولنتذكر دائماً أن أصحاب البيت أدرى بما فيه.] أ.هـ
بالطبع لن نقدم كل فصول الكتاب فهو يقع في حوالي 600 صفحة، وإنما سنقدم موجزا لأهم الأفكار والموضوعات، فتابعونا لتعرفوا كيف تم الكشف عن الحقيقة العجيبة للصوفية لأول مرة في التاريخ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
([1]) الجنيد بن محمد، إمام الطائفة، مات في بغداد سنة (297هـ) ويعرف أيضاً بالقواريري.
([2]) الرسالة القشيرية (ص:127).
([3]) محمد بن علي بن عربي الحاتمي، أندلسي مات في دمشق سنة (638هـ).