في ظل الظروف الدولية اﻷخيرة التي تشهد تعقيدات متزايدة، ليس أولها فشل الانسحاب اﻷمريكي من أفغانستان وعودة دولة طالبان في لمح البصر بعد عشرين عاماً، وليس آخرها اهتراء الوضع أكثر وأكثر في الشرق اﻷوسط في مجمل القضايا المزمنة، من القضية الفلسطينية إلى الثورة السورية مروراً بالحرب الليبية وليس انتهاءً بالحرب اليمنية! فما الذي يخبئه قابل اﻷيام لهذه المنطقة؟ ليس فقط لا أحد يعلم، بل لم يعد أحد يستطيع التنبؤ. فمن قائل أنه انتهى اﻷمل – ليس إلى اﻷبد – بقيام دولة فلسطينية ولكن إلى جيل قادم على اﻷقل، وآخر يؤكد بأن الحل أصبح قاب قوسين أو أدنى!
وعلى الرغم من أن قضايا الأمة العربية واﻹسلامية كثيرة للغاية، وبعض القضايا أكبر من بعضها بشكل يجعل من المستحيل تحديد أية قضية هي أكبر قضية، وفي ظل هذا الوضع الدولي الديناميكي المتشابك والمتغير، يظل من الممكن التفاؤل بأن حل القضية الفلسطينية أو أية قضية أخرى عالقة قد يبشر بمفاتيح لحلحة كافة القضايا الكبرى الأخرى، فهي حتى اﻵن أقدم قضية عربية باقية بلا حل بعد القضية الجزائرية مع الاستعمار الفرنسي، وبحلها قد تنتفح أبواب كثيرة وتتشكل نتائج متراكمة مباشرة وغير مباشرة لحل معظم القضايا، وذلك على الرغم من حقيقة أن جميع القضايا متشابكة بشكل معقد للغاية بشكل لا يمكن الجزم فيه من أين يجب يتم البدء بالحل! فكل قضية تعتمد على اﻷخرى في جوانب كثيرة لحلها.
إن الأخبار واﻷحداث في هذه الأيام متناقضة بشدة، ففي تصريحات بايدن مرة يعلن أن حل الدولتين لم يعد قابلا للتحقيق في هذه المرحلة ويحتاج لوقت طويل لتطبيقه، ومرة أخرى يصرح “دولة فلسطينية ديمقراطية وذات سيادة” هي “الحل الأفضل” لضمان مستقبل إسرائيل. كما إن الحكومة اﻹسرائيلية الجديدة تصرح مرة على لسان رئيس حكومتها “نفتالي بينت” برفض حل الدولتين وأنه لا مفاوضات فلسطينية إسرائيلية ولا لقاء مع عباس، ثم مرة أخرى تحاول التقارب مع السلطة الوطنية، وترسل بوزير الدفاع لزيارة محمود عباس في مقره!
أما من جهة الكتاب والمحللين السياسيين المخضرمين، فأيضاً تتضارب اﻵراء بشدة، ما بين متفائل يؤكد الوصول إلى الوقت المناسب والحتمي لقيام دولة فلسطينية، وآخر متشائم يراها تحتاج الانتظار لظهور جيل آخر جديد على اﻷقل. فقد نشرت الشرط الأوسط للكاتب والوزير اﻷردني السابق صالح القلاب مقالاً بعنوان “لا إعلام عربياً واحداً… والمرحلة المقبلة شديدة التعقيد!” كان آخر ما قال فيه: “إنه بات واضحاً وأيضاً ومعروفاً، أنّ هناك عملية سلامٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد باتت مؤكدة وقريبة، وهذا يعني أنه لا بدَّ من الأخذ بعين الاعتبار أنه لا بدَّ من أنْ تترتّب على هذه المسألة تعقيدات ومشاكل كثيرة مما يتطلَّبُ ألا تُترك الأمور إلى مستقبلٍ بات قريباً، وقد يأتي بمفاجآت كثيرة”.
كما نشرت نفس الصحيفة مقالاً مناقضاً في النتائج للكاتب الفلسطيني المخضرم نبيل عمرو بعنوان “بايدن… على التسوية أن تنتظر جيلاً جديداً“، قال فيه: “أعطى الرئيس بايدن الفلسطينيين تأكيداً على أنه لا حل أفضل من حل الدولتين. ولكن حين قال إن هذا الحل لن يتم على المدى القريب، فكأنه أعطى الإسرائيليين الوقت لبناء وضع على الأرض يجعل حل الدولتين مستحيلاً. الفلسطينيون لا يعانون من عدم الاعتراف بحقوقهم السياسية، بل إن لديهم فائض اعتراف يجسده إجماع دولي شامل…
وفي هذا الشأن يمكن القول: لا أحد من أطراف التسوية لديه الجاهزية ليس لإنجازها بل حتى للشروع في تحضيرات لبدء التفاوض حولها، فلا الإسرائيليون في وارد ذلك ما دامت مشاريعهم تجري على الأرض بسلاسة وتسارع، ولا الفلسطينيون يملكون وحدة موقف في هذا الشأن… وحين يقال إن التسوية النهائية تنتظر جيلاً آخر فذلك لا يعني أن زوال الجيل الذي حاول وأخفق سيؤدي تلقائياً إلى انبثاق جيل أكثر جاهزية واستعداداً وقدرة، فلا أحد يملك رؤية ما سيتبلور بعد الجيل الحالي، إذ لا ضمانات بوجود نسخة منقحة عن ياسر عرفات الذي تجرأ على مصافحة رابين في حديقة البيت الأبيض… ولا عن محمود عباس المسمى «مهندس أوسلو» والذي ذهب بعيداً في محاولاته إحراز تسوية… وفي المقابل لا ضمانات لوجود رابين آخر في إسرائيل ولا بيريز ومن يماثلهما من قيادات الصف الأول الذين صُنِّفوا بحمائم تقود دولة الصقور”.
من يدري ماذا تحمل اﻷيام القادمة؟ فهي حبلى بتغييرات على مستويات غير مسبوقة، إن على مستوى التطور العلمي والتكنولوجي، وإن على مستوى العلاقات الدولية الكبرى والتغييرات المتسارعة في القطبية الدولية. فالكاتب المتفائل صالح القلاب هو مفكر ومحلل سياسي كبير ووزير أردني سابق، وقد تكون لديه معلومات أو تسربات خاصة!
زاهر طلب
27/9/2021