تقليدياً لطالما لم يكن تغيّر الحكومات الإسرائيلية سبباً للتفاؤل نحو شيء من الانفراج في القضية الفلسطينية وعملية السلام المتمثلة بحل الدولتين، ولكن لأنها المرة الأولى التي تتغير فيها الحكومة الإسرائيلية منذ عشرين عاماً، والتي بقيت متعنّتة في المفاوضات وحولتها إلى غاية بحد ذاتها، فهنا قد يكون من الجائز أن يتم طرح الاحتمال، لأنه بالفعل هناك متغيرات جديدة قد تبنئ باحتمالاتٍ جديدة، ففي الحكومة الإسرائيلية الجديدة هناك هشاشة في التركيب، بالإضافة إلى مشاركة حزب عربي إسلامي، لكن يقودها شخص يميني متطرف أكثر من نتنياهو، فماذا ستكون النتيجة؟ في هذا المقال نستعرض عدداً من الآراء والتحليلات لعدد من الشخصيات والمحللين من عدد من المواقع الإخبارية العالمية.
هل يستطيع الائتلاف الإسرائيلي الجديد “تغيير” الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
المعهد الأمريكي للسلام، الخميس 3 يونيو 2021. من المرجح أن تركز الكتلة الحاكمة المنتظرة على القضايا التي توحد البلاد ولكنها تتجنب الانخراط في عملية السلام.
كتب لوسي كيرتزر إلينبوجن: قبل دقائق من انتهاء تفويضه بتشكيل ائتلاف، أعلن يائير لابيد زعيم حزب يس عتيد الإسرائيلي اليساري، أنه شكل كتلة حاكمة لأول مرة منذ 12 عامًا لا يقودها بنيامين نتنياهو. حيث أجريت أربع انتخابات منذ أبريل 2019، في حين أن هذا يحتمل أن ينذر بفصل جديد بعد نتنياهو في السياسة الإسرائيلية، فمن غير المرجح أن التحالف المتباين أيديولوجيًا سيحقق لبيد مع نفتالي بينيت – وهو سياسي يميني متشدد – تقدمًا كبيرًا نحو السلام.
كان يائير لابيد، زعيم مؤسس حزب “هناك مستقبل” الوسطي، قادراً على تشكيل ائتلاف من الأحزاب المتباينة التي يمكن أن تتحنب الانتخابات الإسرائيلية الخامسة في غضون عامين، والدخول في حقبة جديدة في السياسة الإسرائيلية.
يجمع الائتلاف الحاكم الجديد المحتمل بين الأحزاب عبر نطاق واسع من الطيف السياسي والأيديولوجي. ويشمل ذلك حزب إسلامي محافظ (الذي يمثل المرة الأولى التي ينضم فيها حزب عربي مستقل إلى ائتلاف حاكم إسرائيلي)، وحزب قومي يهودي وستة أحزاب أخرى عبر الطيف اليميني واليساري للسياسة الإسرائيلية. هذه المجموعة من الشركاء التي تبدو غير قابلة للتصديق وصفها بأنها “كتلة التغيير”، تؤكد إلى أي مدى كانت هذه الانتخابات الأخيرة تصويتًا على الشخصية على السياسة والسياسة: استفتاء على استمرار قيادة نتنياهو للبلاد.
ماذا يعني هذا بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
نفتالي بينيت هو سياسي يميني متين في بلد يكون فيه اليمين واليسار عادةً تسمية بالوكالة عن موقف أكثر تشددًا مقابل موقف أكثر ليونة بشأن التسوية تجاه الدولة الفلسطينية. بصفته مساعدًا بارزًا سابقًا لنتنياهو، فإنه يُعلن أنه يعارض بشدة حل الدولتين ومؤيدًا بدلاً من ما أسماه ذات مرة “الحكم الذاتي الفلسطيني على المنشطات”. عندما طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطة لمعالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعرض رؤية يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تميل بشدة لصالح إسرائيل، اعترض بينيت بشدة على الاقتراح على أساس أنه يرقى إلى مرتبة دولة للفلسطينيين، ودعا بدلاً من ذلك إلى الضم الفوري لجميع المستوطنات الإسرائيلية.
إن تسويق هذه النظرة لشركائه في التحالف، لتشمل حزب ميرتس اليساري الذي يتضمن حل الدولتين كجزء من برنامجه ، يمكن أن يكون صيغة لدورات من الشلل والاحتكاك المستمر عندما يتعلق الأمر بمعالجة الصراع والاحتلال المستمر. اتفق نيتسان هورويتز، رئيس حزب ميرتس، مع بينيت عندما تعلق الأمر بمعارضة خطة ترامب في عام 2020، ولكن على أسس معاكسة، فإن الخريطة المؤقتة لم تؤد إلى شيء يشبه الدولة، بل ترقى إلى “خريطة للفصل العنصري”. لابيد، الذي سيشغل في البداية وزيرًا للخارجية، أعلن باستمرار دعمه لحل الدولتين.
وفي محاولة لمواءمة هذه الدائرة، وفي إيماءة إلى الهدف الأساسي المشترك للأحزاب المكونة المتمثل في استبدال نتنياهو وما اعتبروه هو الانقسام الذي ميز فترة ولايته، يمكن توقع أن يركز الائتلاف على القضايا التي من المرجح أن توحيد البلاد، لتشمل إقرار الميزانية الوطنية والتركيز على التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لكورونا. كما ينذر التضمين غير المسبوق لحزب “القائمة الإسلامية” في الائتلاف باستثمارات كبيرة في المجتمعات العربية في البلاد، والتي تمثل أكثر من 20 بالمائة من مواطني إسرائيل. مثل هذا الاستثمار في “القطاع العربي” دافع عنه نفتالي بينيت منذ أن شغل منصب وزير الاقتصاد في عام 2014.
لذلك، إلى الحد الذي يحتفظ فيه كل حزب بمصلحة في الحفاظ على التحالف معًا، من غير المرجح أن يسعى بينيت إلى تحقيق أهدافه المتعلقة بالضم، ولكن أيضًا من غير المرجح أن تدفع الأحزاب ذات الميول اليسارية بقوة لتجديد “عملية السلام” النشطة القائمة على دولتين، حتى لو كانوا يسعون إلى تجنب الكشف عن أعمق انقساماتهم، لكن غالبًا ما يرفض الصراع أن يتم تجاهله، كما أظهرت الأسابيع الأخيرة مرة أخرى. القضايا الحتمية التي ستظهر فيما يتعلق بالصراع ستختبر بالتأكيد نقاط ضعف هذا التحالف المتباين، وقد يبحث المفسدون المحتملون عن فرص لاستغلال هذه الانقسامات.
من الممكن أن نشاهد أسوأ.. تعليق الخارجية الفلسطينية
أكدت الخارجية الفلسطينية، في بيان لها، إن “الحكم على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، سيتم بناء على موقفها من جميع القضايا المتعلقة بالقدس وقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين”. وتساءلت الخارجية الفلسطينية، كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع الاختبارات الملحة التي سوف تواجهها خلال قادم الأيام، بدءا من ما تسمى “مسيرة الاعلام”، ومرورا بإخلاء البؤرة الاستيطانية “أبيتار” المقامة على جبل صبيح في بيتا جنوب نابلس، وموقفها من الاتفاقيات الموقعة.
وأضاف البيان، كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى والتهديدات بطرد المواطنين المقدسيين من منازلهم في حي الشيخ جراح وسلوان، وكيفية تعاملها مع الحصار على قطاع غزة وعمليات إعادة الإعمار، وموقفها من حل الدولتين والمفاوضات على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام؟. وتوقعت الخارحية الفسطينية، أن سياسات الحكومة الجديدة لن تتغير عن سابقتها “إن لم نشاهد أسوأ منها”، خاصة وأن قيادات اسرائيلية في الحكومة الجديدة مثل بينت وساعر كانو يعتبرون على يمين نتنياهو.
باراك: حكومة مختلفة التوجهات
وصف باراك حكومة بينيت الجديدة بأنها “تاريخية لأنها بعد 12 عاما من حكم نتانياهو، ولأنها هي المرة الأولى التي يوجد فيها حزب عربي يمثل مليون ونصف عربي في إسرائيل وفي حزب يرأسه منصور عباس”، معتبراً أن “هذا أمر حيوي وذو مغزى”. ويرى باراك أن الاختلاف الموجود في الحكومة الجديدة هو أمر جيد “ويبدو أن هذه مجموعة من الناس يعلمون كيف يعملون معاً وكيف يصلون إلى حل وسط وهذا سيكون وضعا فريدا للغاية، لأنه لا يوجد زعيم واضح في الحكومة”.
فيما يرى موردخاي أن “من هنا أيضاً تكمن المشكلة لهذه الحكومة، فالقاسم المشترك الأوحد لها هو التخلص من نتانياهو”. ويتوقع موردخاي أن تنتهي حياة الحكومة الجديد في غضون “أسابيع قليلة” مشيراً إلى أن “الحكومة الجديدة مكونة من ثلاثة أجزاء، اليمين واليسار والعرب، وهذه المجموعات الثلاث ليس لها أي قاسم مشترك، ولهذا فإن الخلافات بينها ستنشأ في صباح اليوم التالي من التخلص من نتانياهو”.
لكن باراك يرى أن “السياسة قد تقارب الناس من بعض حتى لو كانوا غرباء وهذا ما نراه الآن، انظروا للخطاب الذي ألقاه بينيت في الكنيست، وقاطعه أعضاء الليكود والمتشدديين، لقد قال إنني سأمثل المصوتين من كتلكم رغم أنهم لم يصوتوا لي، ستكون هناك حكومة تمثل كل الإسرائيليين”.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. محللون يبرزون أهم التحديات المقبلة | الحرة (alhurra.com)
رئيس الحكومة الجديدة متطرف أكثر من نتنياهو
من المرجح، عند نجاح تلك الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أن تشهد الحركة الاستيطانية والتهويدية في الأراضي الفلسطينية نشاطاً ملحوظاً، في ظل رئيسها “بينيت”، بوصفه حامل لواء اليمين الإسرائيلي المتدين، الذي يؤيد بشدة إقامة المستوطنات ومخطط الضم الإسرائيلي لمعظم أراضي الضفة الغربية، وتهويد القدس المحتلة، فضلاً عن رفضه المطلق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لما يشكل ذلك “انتحارا” للكيان الإسرائيلي لأسباب أمنية، بحسبه.
حكومة يمينية إسرائيلية جديدة برئيس متطرف على أعتاب “الكنيست” – جريدة الغد (alghad.com)
إسرائيل ستظل كما هي
وتختم بأن الحكومة الجديدة قد تكون قادرة على الإشارة إلى مشاركة الأحزاب العربية لأول مرة لتسليط الضوء على الطابع الديمقراطي الإسرائيلي المتعدد الأعراق، وقد يكون لبيد سفيراً فعالاً لدى الليبراليين الأميركيين، ومع ذلك، فإن الحقائق الإستراتيجية التي تشكل السياسة الإسرائيلية لا تتغير في عهد بينيت ولبيد، ومن المحتمل أن تجري انتخابات جديدة في وقت قريب.
تعليق البرغوثي
مع إزاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، تتجه الأنظار إلى الملف الفلسطيني، وفرص استئناف المفاوضات وإحياء العملية السلمية. ورغم انشغالها أكثر، بالملفات الداخلية، يقول محللون للأناضول، إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة قفزت عن الملف الفلسطيني، ولم تأت على ذكره في برنامجها السياسي.
ويرى هؤلاء أن الملف الفلسطيني أحد أهم الملفات التي يمكن أن تفجّر حكومة لم تتفق على شيء، سوى إزاحة نتنياهو عن الحكم. ما تتوافق عليه آراء المحللين أيضا، هو أن استئناف المفاوضات يتوقف على الرغبة والإرادة الأمريكية بالدرجة الأولى، غير مستبعدين تحريك عجلة المفاوضات دون اشتراط دورانها أو وصولها إلى خط النهاية.
من جهته، لا يستبعد الكاتب والمحلل حافظ البرغوثي، “تحولاً” في مواقف بينيت، بعد أن أمسك برئاسة الوزراء، مشيراً إلى تلقيه “جرعة من الدبلوماسية” لا يستطيع معها (بينيت) قول (لا) لبايدين، في إشارة إلى المكالمة الهاتفية التي تلقاها من بايدن فور فوزه بتصويت الكنيست. وإذا تقدم الأمر وجرت ضغوط أمريكية على الحكومة الوليدة، يضيف البرغوثي “فسنجدها منقسمة على بعضها، ليس لأنهم سيتورطون في المفاوضات، بل لأن في هذه الحكومة رأيان”.
وأضاف أن الرأي الذي يمثله يائير لابيد شريك بينيت، جَهر مراراً قبل أن يكون في الحكومة بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون كما هي الآن، دولة بلا حدود وبلا أي سلطات. ويوضح البرغوثي أن الرأي الآخر يمثله بينيت وهو أكثر تطرفاً من نتنياهو نفسه في الموضوع الفلسطيني، و”عندما أخذ جرعة من الدبلوماسية أعلن أنه سيفاوض، لكن على ماذا؟ مع من؟ وحول ماذا؟ هنا السؤال”.
ورجّح البرغوثي أن يحاول بينيت إبقاء الوضع الحالي الاستيطاني على ما هو عليه، وأن يفاوض من أجل التفاوض وليس من أجل الوصول إلى نتيجة. وقال إن الضغط الأمريكي “وارد وممكن” لكن لن يصل إلى شيء لأن “بينيت يؤمن بالتفاوض من أجل التفاوض والاستمرار في الاستيطان والتطهير العرقي”.
مع تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.. أي فرصة لإحياء المفاوضات؟ (aa.com.tr)
رأي الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت
أما أنطوان شلحت، الباحث في الشأن الإسرائيلي والمتابع للشأن السياسي فيرى أن ثمة “احتمالات ضئيلة” لفتح مسار المفاوضات، مضيفا: “هذه الحكومة لا تفويض عندها لإجراء مفاوضات”. ويقول إن تركيبة الحكومة الجديدة “لا تسمح بذلك، ولا تستطيع أن تتفاهم على أن تُجري المفاوضات”. والحكومة الإسرائيلية الجديدة هي ائتلاف من 8 أحزاب من اليمين واليسار والوسط، مع مشاركة حزب عربي.
ويلفت شلحت إلى أن إسرائيل لم تعلن يوما أنها ترفض المفاوضات، بل “تذهب تحت الضغوط وتعتبرها غاية وليست وسيلة”. وأشار إلى أن أغلب جولات المفاوضات التي أجريت سابقا كانت لغايات إسرائيلية محضة وتحت الضغط. وشدد على أنه في حال مارست الإدارة الأمريكية ضغطا حقيقياً على الحكومة الإسرائيلية الجديدة فإن إجراء المفاوضات ممكن.
لكنه يوافق البرغوثي في أن السؤال المهم: على ماذا؟ معتبرا أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حول التسوية استنفذت نفسها منذ زمن، والعودة لها إعادة إنتاج لأسباب أدت إلى فشل التسوية. ويشير إلى أن الجانب الفلسطيني أيضاً لديه موقف من المفاوضات، مستبعداً أن يكون جاهزاً للعودة إلى المفاوضات “بصيغتها التي أكل عليها الدهر وشرب”.
ورجّح أن تبدأ الإدارة الأمريكية محاولاتها لاستئناف العملية السياسية، لكن شركاء الحكومة الإسرائيلية مختلفون على كل شيء إلا إزاحة نتنياهو “لذلك لا موقف ولا برنامج سياسي لها يتضمن البدء بالمفاوضات”. ويرى أن الخلاف السياسي الوحيد بين “الفرقاء الشركاء” هو الموضوع الفلسطيني وشكل التسوية والاحتلال والاستيطان.
مع تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.. أي فرصة لإحياء المفاوضات؟ (aa.com.tr)
الخلاصة
لم يتمكن أي محلل أو مراقب من إعطاء توقع دقيق وحاسم، وقد نلاحظ بسهولة أنه يمكن أن تتباين الآراء بنسبة مئة وثمانين درجة، مما يجعل ترقب المشهد القادم على أرض الواقع أمراً مثيراً بالفعل، فمن يدري؟ إذ يقول المثل: بقاء الحال من المحال.
زاهر طلب
6/7/2021