للأسف أن ما حذرت منه في مقالى الأسبوع الماضى من تجنى الإعلام على الدعوة السلفية، تعاظم وتكثف بعد الأحداث المدانة والمؤسفة التي جرت في الجمعة الماضية بالزرقاء.
فخرجت علينا وسائل الإعلام الصحف والكتاب بعناوين صارخة حملت السلفيين كافة وزر هذه المجموعة المحدودة، وقد شهد يومي السبت والأحد تجييشاً وتحشيداً ضد السلفية بالعموم، حتى خشي كثير من السلفيين على أنفسهم من ردة فعل البعض، وهذا التجييش المنلفت شكل إساءة بالغة وتجنى سيء على آلاف الأردنيين السلفيين الذين لهم منهج واضح ومعلن بالإلتزام بالأحكام الشرعية في قضايا السياسة وغيرها، يقوم على رفض العنف والتكفير، بل إن بعض السلفيين من شدة مبالغته في هذا الموقف الرافض للتكفير والعنف طالما هوجم وشتم من الكتاب والصحفيين بأنه عميل ومرتبط بالسلطة وأن وظيفته تبرير السياسات الرسمية، فكيف تم تناسي هذا كله من قبل الإعلاميين في لحظة وتم تحويل أصبع الهجوم والإتهام عن الفاعل الحقيقي وهم من يسمون بالتكفيريين أو السلفيين الجهاديين إلى تعميم التهمة لجميع السلفيين !!؟
هل كتابنا وإعلاميينا يجهلون الفرق بين السلفية والسلفيين وبين هؤلاء ؟؟ هل هم فعلاً لا يعلمون أن الدعوة السلفية المنتشرة في العالم ترفض هذه الأفكار ؟ هل يمكن أن نصدق أنهم لم يقرأو رسالة عمان – التي يمجدونها في كتاباتهم – والتي تعتمد السلفية مع بقية المذاهب ؟
هل فعلاً أن محللينا ومعلقينا السياسيين لا يعلمون عن مشاركة ودور العديد من السلفيين أفراد وجماعات في الشأن العام والسياسي تحديداً ؟
والسؤال المهم هل هذا الهجوم المعمم على السلفيين عن جهل وحسن نية أم هو هجوم مقصود ومبرمج لغايات وأهداف ؟؟ هل يمكن أن نجد جواباً ؟
إن السلفية والسلفيين هم أكبر الضحايا من أحداث يوم الجمعة فرجال الأمن أصيب منهم 83 فرداً، والثوريين أصيب منهم عشرات، لكن السلفيين وهم ألوف أصيبوا كلهم حين كالت لهم وسائل الإعلام التهم بالباطل بأنهم متطرفون وإرهابيون وتكفيريون.
وبعد تنبيه بعض وسائل الإعلام تم تعديل وتلطيف بعض العبارات وتم السماح بظهور أراء السلفيين المدينة لهذه الأحداث، وإن كان الكثير من الإعلاميين لا يزال يخلط في حديثه بين السلفية والسلفيين وبين الجهاديين والثوريين.
الحملة الإعلامية الجائرة على السلفية حملة لا تقتصر على الإعلام الأردني المحلى بل يشارك بها الإعلام العربي بعامة خاصة أنها تتزامن مع اغتيال الناشط الإيطالى في غزة والتخويف من المد السلفي في مصر.
وهكذا تشتبك الأمور وتتعقد وتتداخل الأجندات والمصالح، والضحية هي السلفية، ورغم أنها الحاضر الأبرز في وسائل الإعلام، ومع هذا لا يدعى أبنائها ودعاتها للحديث والمشاركة بتوضيح وجهة نظرها في ما يكال لها من اتهامات.
ولتوضيح هذه الصورة المتشابكة والمشوه والتي ضحيتها السلفية أركز على النقاط التالية:
1- ما يسمى بالجهادية أو السلفية الجهادية هو تيار مستقل ومنفصل تماماً عن الدعوة السلفية بأطيافها المختلفة، ولذلك هو وحده من يتحمل تبعات أفعاله، ويجب على الإعلام أن يكون موضوعياً ودقيقاً في تحديد الجهة المذنبة.
2- السلفية منهج لفهم الإسلام يقوم على إلتزام فهم الصحابة واتباعهم (السلف) للقرآن والسنة والإجتهاد في المسائل المستجدة على طريقتهم، لأن الصحابة وأتباعهم هم الذين تلقوا القرآن والسنة مباشرة وفهموا المراد منهم وعملوا بمقتضى هذا الفهم، فكانت النتيجة أن شهدت البشرية أعظم حضارة إنسانية في أقصر مدة وأكبر مساحة وأكثر تنوع بين الشعوب، وبقيت هذه الحضارة تتزايد وتتطور طالما تمسكت بمنهج الصحابة/ السلف، ولما بدء تأثير الثقافات والديانات الأخرى يظهر في الأمة بدأت المسيرة تتضعضع حتى انحطت الأمة عن مرتبة القيادة والهداية.
3- إن السلفية بأطيافها المتنوعة هي الأصل وهي القاعدة العريضة، وهي تشترك في التمسك بالقرآن والسنة وتطبيق السنن ومحاربة الخرافات والبدع والشعوذات والحث على التعلم ومحاربة الجهل، ونبذ العنف والتكفير.
والدعوة السلفية بأطيافها المتعددة هي سابقة تاريخياً على ما يعرف بالجهادية أو السلفيين الجهاديين بل هي أقدم من جماعة الإخوان المسلمين، فجماعة أهل الحديث في الهند تأسست سنة 1906م، وجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر تأسست سنة 1926م، أما في السودان فتاسست سنة 1939م.
4- الدعوة السلفية تتوزع بين تيارات فردية وجماعية، فهناك جماعات سلفية تقوم على جهد فردي كما هو حال الشيخ أبو اسحاق الحويني ومحمد حسان في مصر اليوم، أو العلامة الألباني والشيخ مقبل الوادعي في اليمن، وبعضها شكل تنظيمات وجماعات مثل جماعات أهل الحديث في شبه القارة الهندية وجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان وجمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت وجمعية التربية بالبحرين، أو جمعية الكتاب والسنة بالأردن وجمعية الحكمة باليمن، أو الدعوة السلفية بالأسكندرية.
وهناك تيارات سلفية ترفض العمل السياسي ومنها من هو منخرط به مثل أهل الحديث في الهند وأنصار السنة في السودان وإحياء التراث بالكويت والتربية في البحرين، والسلفيين في مصر بعد الثورة.
5- مشاركة السلفيين بالعمل السياسي أمر قديم وليس مستجداً، فرموز الدعوة السلفية كانوا في طليعة القادة السياسيين الوطنيين في مطلع القرن الماضي وشاركوا في الجماعات والأحزاب السياسية أنذاك مثل “حزب العربية الفتاة” والذي كان الشيخ كامل القصاب ممثله لدى الشريف حسين، وكان محب الدين الخطيب ورشيد رضا أعضاء بارزين بحزب ” اللامركزية الإدارية العثماني”، وأسس علال الفاسي حزب الإستقلال في المغرب.
أما عن المشاركة في البرلمانات فأقدم ما وقفت عليه مشاركة العلامة إحسان إلهي ظهير في انتخابات عام 1977 في الباكستان، وفي الكويت والسودان والبحرين هناك نواب ووزراء سلفييون.
6- للدعوة السلفية جهود عظيمة في وجه التحديات التي واجهت الأمة الإسلامية، فرموز الدعوة السلفية أمثال رشيد رضا ومحب الدين الخطيب كانت لهم مساهمات كبيرة في وجه المؤامرات الإستعمارية ونشر الوعي السياسي بوحدة الأمة والأخطار التي تتهدها وتهيئة البيئة لنشأة الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين حيث كان حسن البنا تلميذاً لرشيد رضا ومحب الدين الخطيب.
وكان للدعوة السلفية شرف الجهاد دفاعاً عن الأمة الإسلامية أمام الغزو الأوروبى ففي الهند حركة الشهيد أحمد عرفان وفي الجزائر جمعية علماء الجزائر بقيادة ابن باديس وشارك العلامة حامد الفقي بالجهاد ضد الإنجليز في مصر وفي فلسطين لا ينكر دور الحاج أمين الحسيني تلميذ مدرسة الدعوة والإرشاد التي أسسها رشيد رضا وجهاد الشيخ عز الدين القسام وكامل القصاب، كما شاركت جماعة أنصار السنة المصرية في الجهاد بفلسطين سنة 1357هـ حين اسست جماعة أنصار فلسطين، وكذلك الشيخ الألباني سنة 1948.
وفي زمننا المعاصر كان للعلماء والجماعات والجمعيات والسلفية دور بارز في التفاعل مع قضايا المسلمين فدعموا حركات التحرر والجهاد الوطني في فلسطين وأفغانستان وغيرها، وأغاثوا المنكوبين والملهوفين وأنشأوا لهم المدارس والمعاهد والمستشفيات وغيرها.
وفي المقال القادم سنذكر قصة وتاريخ نشأة الجهادية أو السلفية الجهادبة حتى نوضح الفارق المنهجي والتاريخي بينهم وبين السلفية.
المصدر: السلفية ضحية أحداث الزرقاء !!