قصة وعبرة: المسلمين الذين قتلتهم الشيوعية الماركسية في فيتنام

خطورة تأثير الدعاية الإعلامية

في هذه القصة المؤثرة عن تاريخ فيتنام، نجد أنها تحمل عبرة هامة حول أهمية الدعاية والإعلام في تأثير الأحداث السياسية والاجتماعية. يظهر في القصة كيف استخدمت الحكومة الشيوعية في فيتنام الشمالية الدعاية الإعلامية الماركسية للتأثير على الشعب وتغيير مفاهيمهم وإيهامهم بأن الشيوعية هي الحل لمشاكلهم. ومع ذلك، كانت هذه الدعاية تختلف تمامًا عن الحقيقة والواقع الذي تعرض له المسلمون في فيتنام.

القصة تشير أيضًا إلى أهمية الحقائق والمعلومات الصحيحة في مواجهة الدعاية الكاذبة والتضليل. فالمسلمين في فيتنام واجهوا تحديات كبيرة، وكان الجيش الأميركي يدعمهم عسكرياً، لكن الدعاية الشيوعية استطاعت أن تؤثر بشكل كبير على الشعب وتغيير مفاهيمهم. في النهاية، تكمن العبرة في ضرورة نقل الحقائق والمعلومات الصحيحة والتوعية بشكل جاد، وأن يكون لدينا إصرار على الدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا بطرق مشروعة وفعالة.

عدد المسلمين في فيتنام

كان عدد المسلمين في فيتنام يقدر بثلاثة ملايين ونصف قبل سنة 1940م. كان الشيوعيون الفيتناميون متجمعين حسب الشكل المعلن، في هونج كونج، بزعامة ” هوشي مِنْهْ”، وكانت فيتنام مقسمة إدارياً على ثلاث مستعمرات فرنسية: محمية تونكين في الشمال، ومحمية أنّام في الوسط، ومستعمرة كوشين شين في الجنوب.

كان هوشي مِنْه وحزبه يُموِّلون بالمال من يهود أميركا وأوروبا، وبالسلاح من روسيا، وبالرجال من المرتزقة الصينيين الذين كانوا يشكلون معيناً لا ينضب لمصلحة اية جهة مستعدة لتجنيدهم.

أعلنت حركة “فييت مِنْهْ” الشيوعية عزل الملك “باوداي” الذي نصبه اليابانيون، وقيام جمهورية فيتنام التي شملت الوحدات السياسية السابقة، واختيار هانوي عاصمة لها.

الفرنسيون في فيتنام

في العام نفسه (سنة 1945) عاد الفرنسيون إلى فيتنام، فاشتعلت الحرب بينهم وبين الفيت مِنْهْ، وقد دامت أكثر من ثماني سنوات، وكانت هزيمة الفرنسيين في “ديان بيان فو” في أيار عام 1954 نهاية ذلك الصراع. وبعد سلسلة الاتفاقات، قُسمت فيتنام إلى قسمين: فيتنام الشمالية جمهورية اشتراكية، وكان زعيمها هو “هوشي مِنْهْ” الذي يملك المال الذي تدفق عليه؛ وفيتنام الجنوبية، مملكةً ملكها “باوداي” نفسه. وفي أكتوبر 1955 قام “نجو دين دييم” بعزل الملك وإعلان نفسه رئيساً للدولة فرئيساً للجمهورية. وتم انسحاب فرنسا عسكرياً من الهند الصينية في نيسان سنة 1956.

شكل هوشي مِنْهْ في فيتنام الشمالية حركة تحرير فيتنام “فييت كونج” لتحول فيتنام الجنوبية إلى الشيوعية وضمها إلى فيتنام الشمالية. وكانت فيتنام الجنوبية تقاوم الشيوعية، وتدعمها بذلك الولايات المتحدة الأميركية.

اضطهاد المسلمين من قبل الشيوعيين

كان من بنود الاتفاقات التي وضعت عند تقسيم فيتنام، أن يكون التنقل حراً بين القسمين طيلة الشهر الأول، فانتقل من المسلمين عدد كبير من القسم الشيوعي (فيتنام الشمالية) على فيتنام الجنوبية. بعد عام 1956، أحكم الشيوعيون قبضتهم على القسم الشمالي، وبدأوا بتوجيه ضرباتهم ضد المسلمين، فأغلقوا المساجد، ومنعوا الشعائر الإسلامية، وسجنوا وفتنوا الألوف عن دينهم، فهرب كل من استطاع الهرب من المسلمين إلى فيتنام الجنوبية، وربما كان عددهم يصل إلى المليون أو يزيد، واستسلم من لا يستطيع الهرب ولم يُفتن في دينه إلى الصمت الذليل حتى يأتي الله بأمره. وتجمع غالبية المسلمين الفيتناميين في فيتنام الجنوبية، ويقدّرون عددهم بما قد يصل إلى ثلاثة ملايين.

كانت الدعاية الرسمية المعلنة في فيتنام الشمالية يقابلها مثلها في فيتنام الجنوبية، ويمكن أن نظن أنهما متكافئتان، لكن الدعاية “الرمادية في ساحة الظل” أي الساحة الخفية لا يحترفها إلا الشيوعيون، لذلك كان، ولم يزل، من البدهي أن تكون الغلبة لمن يملك الدعاية الأوسع انتشاراً وهم الشيوعيون، لذلك لم يستطع النظام الجنوبي أن يوقف زحف الشيوعية رغم الدعم الأميركي العسكري، فالقوة لا تستطيع الصمود أمام الفكر المدعّم بالدعوة والدعاية الممنهجة، ولو كان هذا الفكر مغلوطاً.

الانقلابات العسكرية وزيادة الاضطهاد

ومنذ سنة 1963 بدأت الانقلابات العسكرية تتوالى في فيتنام الجنوبية دون فائدة، فما قاد انقلاب عسكري إلى خير أبداً. ثم انسحب الجيش الأميركي، وقامت جمهورية فيتنام الاشتراكية الموحدة سنة 1975، وبدأت عمليات اضطهاد المسلمين التي كانت تقوم على القتل والإبادة الجماعية، حيث قتلت الشيوعية الماركسية في فيتنام أكثر من مليوني مسلم، ويمكن أن يقترب عددهم من مليونين ونصف. والذين استطاعوا الإفلات من القبضة الماركسية وأكثرهم من المسلمين، لم يجدوا لهم من ملجأ إلا البحر، يبحث الواحد منهم عن قطعة من الخشب تستطيع حمله فوق الماء، يركبها ويذهب في البحر، وإن وجد أكثر من قطعة خشبية يربطها ببعضها فهو محظوظ، وأكلت أسماك القرش من أكلت، ووضع الله سبحانه العطف في قلوب بعض أصحاب البواخر غير الماركسيين، فصارت بواخرهم تجوب البحار المحيطة بفيتنام، تلتقط من تصادفه على تلك الأطواف، واستطاعت أن تنقذ عشرات الألوف (بل ربما أكثر من ذلك) حيث أوصلتهم إلى هونج كونج، ليعيشوا هناك لاجئين حتى مدة قريبة.

العبرة من القصة

لقد كان المسلمون وغير المسلمين آمنين في القسم الجنوبي طيلة سيطرة النظام الملكي الذي يسمونه “ديكتاتورياً رجعياً طاغياً باغياً”، خاصة مع وجود الجيش الأميركي الذي كان يحاول منع الزحف الشيوعي إلى الجنوب بالقوة العسكرية، وهذا يدل على سذاجة فكرية في القيادات الأميركية والفيتنامية الجنوبية، فالقوة العسكرية لها دورها لكنها تنهار أمام الدعاية المنهّجة الغزيرة.

وانسحب الجيش الأميركي واحتل الشيوعيون كل البلاد، وبدأت الإبادة بمن يسمونهم “أعداء الشعب” وهم كل من يقاوم الماركسية ولو بالانتقاد البسيط (إذا سُمع) وحصل ما حصل للمسلمين، وفُتن عن دينه من فُتن (والفتنة أشد من القتل) (والفتنة أكبر من القتل).

ثم خرجت الدعاية الشيوعية والماركسية بشكل عام، لتندد بالجيش الأميركي والوحشية الأميركية وقتل الأميركان للشعوب .. إلى آخر الديباجة .. ولتقول للدنيا كذباً إن الشيوعية هي التي أنقذت فيتنام وخلصتها من الفقر (لتدخل في الموت من الجوع) وطردت الأميركان .. إلى آخر الأكاذيب التي لا حصر لها، وشكلت هذه الدعاية سيلاً جرف الغثاء، فصار الغثاء يردد ما يسمعه رغم أن جماعاتٍ كثيرةً منهم رأت بأعينها ما حدث، ورغم أن بعض الكتاب كتبوا ونشروا تلك الحقائق، لكن الغثاء إن لم يجرفه السيل فلا يكون غثاءً. ويجب على الغثاء أن يدافع عن غثائيته.

في سرد لهذه الحقائق، ليس الهدف دفاعاً عن أميركا أو تنزيهاً لها، لكن الإسلام يأمرنا أن نعطي لكل ذي حق حقه، وأن نقول الحق ولو كان مراً، وألا نتبع الهوى في إصدار أحكامنا، وأن ندافع عن إسلامنا وبلادنا وأعراضنا وأنفسنا ضد من يفتننا في ديننا ويمزق أجسامنا بالسياط وينهب ديارنا وأموالنا ويشردنا ويبيدنا، وأن يكون دفاعنا بالأسلوب الصحيح الذي يقود إلى النصر، لا بالأسلوب الغلط الغوغائي الذي يدفعنا الماركسيون إليه بدعاياتهم المنهجة، فنحن من عقود كثيرة بقيادة علمائنا ووعاظنا نتبع نفس الأسلوب الذي ما قادنا ولا يقودنا إلا إلى انتكاس بعد انتكاس، رغم أننا نقرأ قوله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. وقوله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. ونعرف أن معنى “إن تنصروا الله” سبحانه هو باتباع سننه في شرعه وسننه في خلقه (القوانين الطبيعية)، وهو بالسير في الطريق الصحيح في الأمور الدينية والدنيوية.

إن انتكاساتنا المتتابعة يجب أن تكون دليلاً لنا، إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله سبحانه على أن ما بأنفسنا غلط يجب أن يغيَّر، وأننا لا ننصر الله سبحانه بأفكارنا وأساليبنا التي نتبعها، وأننا لا نسير في الطريق الصحيح.

المصادر: كتاب قتلوا من المسلمين مئات الملايين..!!

Scroll to Top