هل حرب أوكرانيا مجرد مسرحية تهدف لتدمير أوروبا؟

على الرغم من أنها حرب وحشية بدأتها روسيا ظلماً وعدواناً ضد أوكرانيا، حيث من الصواب دعم أوكرانيا في دفاعها عن حريتها وأراضيها، لكن البعض يميلون للاعتقاد بأن موقف أوكرانيا هو مسرحية تهدف توريط أوروبا تمهيداً لتدميرها بالكامل.

إلا أنه بالعودة إلى بداية الحرب نجد أن بايدن كان قد وضح سابقاً سياسته تجاه أوكرانيا في مقال يدل أنه ملتزم بالدفاع عن أوكرانيا وتسليحها بطريقة محسوبة بدقة، ومن غير إثارة مشاكل كبيرة تؤدي الى حرب عالمية أو تؤدي لدمار أوروبا، وأن الهدف الاستراتيجي الآن هو إغراق روسيا في حرب لا تنتهي الا بشروط، وطبعاً هناك مجالس الدراسات في روسيا تدرس وتعمل ليل نهار لمعرفة نتائج وإيجاد وحلول، وتركز على الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الحرب، وتخرج بنتائج ومسارات لانتصار الشيوعية الجديدة (روسيا بوتين)، حتى ولو كان الشعار أن روسيا انهزمت! وذلك كم كما حصل في خروج السوفيات من أفغانستان ومسرحية سقوط جدار برلين.

هنا نسأل: إذن لا داعي لأن نحارب الشيوعية لأنهم سيتدبرون مسرحيةً ومخرجاً؟ على رأي بعض الناس؟ وغم أن المفروض أننا تعلمنا مما حصل في سوريا وجورجيا ولن نسمح للشيوعية الجديدة بالفوز بالمعركة هذه المرة، و”المؤمن لا يقع في جحر واحد مرتين”. في المقابل، لماذا لا نحارب الشيوعية الجديدة ونفضح مسرحيات الانسحاب؟ فليس من المعقول ترك روسيا تسرح وتمرح وتحتل أوروبا بحجة أن التصدي لها سيؤدي إلى استنزاف ودمار أوروبا!

فالمفروض أن نعي ماذا يحدث ونجيش القوى لصد هذا الظلم والبربرية الروسية التي تقع على الشعوب الضعيفة في العالم. فرغم أن فضح مثل هذه المسرحيات قبل الأوان قد يجعل روسيا تختار تلجأ إلى خيارات أسوأ، إلا أن كل عمل تقوم به روسيا له عدة أهداف، وبوتين لم يتحرك من فراغ أو من دون دراسات، وأحد تلك الاهداف إسقاط الدولار وضرب الاقتصاد الغربي بعد الكورونا، ومحاولة للسيطرة على الاقتصاد العالمي.

لقد كسر بوتين الحاجز النفسي للهجوم على الغرب مهما حدث من خسائر، لأنهم في النتيجة لا يهمهم التأثيرات التي تحدث على المواطن الروسي أو الصيني فهو ليس أكثر من عبد، والأهم هو تطبيق العقيدة الشيوعية والفكر الماركسي اللينيني بنشر القتل والتدمير والتهجير وسفك الدماء وتعميم الإرهاب.

ومع ذلك يبقى السؤال وارداً: هل قيام أمريكا بدعم أوكرانيا لمحاربة روسيا – بدل التسليم بالأمر الواقع – هو عمل مشبوه وجزء من المخطط أو يصب في صالحه؟ أم هو عمل جيد في محاولة افشال المخطط الشيوعي؟ ولا شك بأن الجواب الأرجح هو أنه عمل لا بد منه ومفروض عليها ويجب على أمريكا أن ترد، والشطارة هنا هي أن تحول أمريكا هذا الهجوم الى هجوم معاكس ساحق ماحق بأقل الخسائر بحيث يؤدي الى فشل المخطط الروسي.

مع التنبية الى عدم الارتياح للحزب الذي تحكم اوكرانيا، وفي المقابل فإن بوتين يستمر في محاولة تحويل الهجوم الغربي الأوكراني الى نتائج عكسية ضد الغرب، مثل تحويل نتائج العقوبات الاقتصادية بحيث أصبحت تعمل بالعكس بعد أن حوّل شراء النفط الى الروبل الروسي.

فهل هنا يصح القول بأنه إذا كانت أصلاً فكرة فرض العقوبات هي مسرحية لأجل تقوية بوتين؟! في الحقيقة، لا نعرف بدقة وليس هناك جواب شافي، لكن من المعروف أن الشيوعية دائماً ما تستغل الواقع أياً كان حاله لإنتاج انتصارات جديدة هنا وهناك، فليس الهدف الحقيقي هو العثور على جواب شافي، فلو أننا ننظر إلى كل حدث على أنه مسرحية فهذه ستكون مشكلة إدراكية خطيرة في فهمنا للواقع، ففي الحالات العادية هناك الكثير من عمليات الهجوم الحقيقية يستطيع العدو أن يعكس نتائجها وبالعكس أيضاً، لكن فكرة تسليم سيناء والجولان لإسرائيل بمسرحية على سبيل المثال، هي من الحالات التي كان من الواضح أنها ليست عبارة عن هجوم قوي استطاع العدو أن يعكس نتائجه، ولكنها مسرحيات مدبرة لا يصعب على أي مراقب حصيف اكتشافها.

بايدن يعمل ما يمكنه ولا يستطيع أن يزيد الدعم ولا يستطيع أو ينقصه

العقوبات وإمداد الجيش الأوكراني واجب حتى ولو إن كانت له تأثيرات سلبية كثيرة، والذين يوالون الشيوعية في الغرب أصبح لهم قوة واضحة من اليمين الى اليسار ولا يتوقفون عن التشكيك في جدوى الدعم الغربي لإوكرانيا ويهولون من خطر نتائجه. وذلك رغم أنه بالفعل، أن حجم الدعم الامريكي محسوب بدقة متناهية، بحيث لا تظل أوكرانيا لقمة سائغة، ولا يتم استفزاز روسيا الى للقيام بحرب عالمية!

نظرية اللعبة والحرب الأوكرانية

هذه النظرية تقول بأن التفاوض أو التحارب قد يأتي بنتيجة مرغوبة معينة أو بعكسها…

نظرية الألعاب تعرف بأنها وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظل الظروف المعطاة لأجل الحصول على النتائج المرغوبة. وهي تخوض في معضلات أكثر جدية تتعلق بـعلوم الحاسب وعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة بالإضافة إلى العلوم العسكرية. حيث أن اللاعبين يتصرفون بعقلانية، أي أنهم يحاولون جعل احتمال وقوع عملية ربح أكثر احتمالا. واللاعبون يتصرفون استراتيجياً أي أنهم يحسبون أو يتكهنون حركة المنافس أو اللاعب الآخر ويدخلونها في حساباتهم. (نظرية الألعاب ويكيبديا)

وبالتعرف على هذه النظرية يترجح أن حالة الحرب الروسية على أوكرانيا هي من هذا القبيل، حيث تتأرجح الكفة عدة مرات كل شهر في الاتجاهين، وهذا يعني بالتأكيد أكثر أنها حرب حقيقية وليست مسرحية، وأن تدمير أوروبا ربما يقع لا محالة، سواءً في حالة التخاذل عن مواجهة الهجوم الروسي وقبول الهزيمة على يديه أو باستمرار دعم أوكرانيا، وأن الخيار الوحيد الصحيح هو الانتصار على روسيا.

زاهر طلب
17/9/2022

 

Scroll to Top