كيف نبدأ طريق الازدهار الاقتصادي؟

الاقتصاد وحروب المستقبل

يبدو أن الحروب والصراعات في المستقبل ستكون اقتصادية أكثر منها سياسية، إذ يظهر أن صراع الأيديولوجيات الفكرية، حتى ولو كانت اقتصادية بالأساس، قد انتهت إلى طريق مسدود. وهذا لا يعني انتهاء دور التحليل السياسي التقليدي، إلا أنه سيصبح أقل أهمية، ولهذا من الضروري لك بمكان أن تتوسع في معرفة الواقع الاقتصادي بأنواعه، وما هي وطبيعة تحالفاته التي يتشابه فيها مع السياسة. إذ نتوقع أن يكون مستقبل المنطقة من دبي إلى مصر، ومن مشروع نيوم في السعودية وصولاً إلى مشاريع إعادة اعمار سوريا وبيروت، متركزًا على العمل الاقتصادي أكثر من العمل السياسي. فاحرص على أن يكون لك مكان في هذا العالم الجديد، فمن الممكن أن ترى ملامح ازدهار مشابهة لما حصل في دول شرق أسيا في العقود الأخيرة. إذ انتقلت قفزات كبيرة من الفقر والمجاعات، لتصبح من أكبر الاقتصادات العالمية، وبهذا يمكن فعلا الترحيب بدخول العالم العربي أخيرًا في القرن الحادي والعشرين.

أهمية الوعي الاقتصادي في مواجهة الأخطار

ربما كان الناس في العصور السابقة غير مهتمين كثيرًا بمتابعة الأخبار السياسية، فهذه كانت هذه طفرة خاصة بالقرن العشرين، ويتوقع أن تبدأ كفة الاهتمام بالأخبار الاقتصادية ترجح لدى الجمهور العربي، بما في ذلك الطبقات الفقيرة. فلا تستغرب يوما ما قريبًا أن تجد الناس من حولك يتابعون آخر أخبار الأسهم والمؤشرات الاقتصادية التي كانوا لا يعرفون فيها أي شيء! فلقد أصبح موضوع الاقتصاد والتجارة بالفعل هو  موضوع العصر. وتمكن أهميته أيضًا بأنه الوجه الآخر لنفس العملة، فهناك الكثير الآثار السياسية والاجتماعية السلبية التي عشناها ولا نزال نتيجة الأمية في المهارات والعلوم المالية والاقتصادية. وقد نتج عن ذلك توطّن الفقر وتجذره، مما ساعد بدوره على انتشار وتغلغل الشيوعية المدمرة في المجتمعات العربية والدول النامية التي تفتقر شعوبها لتوفر ثقافة اقتصادية راسخة.

قصة الضريبة المضاعفة وضعف الوعي المالي

سوف نضرب لكم مثالًا بقصة رمزية تكررت كثيرًا في الواقع، وهي تدل على أن انتشار الوعي المالي والاقتصادي حتى بين الطبقات الفقيرة من شأنه أن يؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية والاجتماعية بشكل إيجابي، كما يخلق فرص العمل ويقلل من الهدر في الجهود والطاقات والوقت. وتقول القصة المعروفة تقليديا بين الناس، أنه فيه أحد المرات اشتكى أحدهم أنه اضطر لإغلاق شركته التجارية الصغيرة بسبب إجراءات الكورونا والتدهور الاقتصادي، ولكن الكارثة الأأكبر أنه حين جاءه مفتش الضريبة، كلفه بنسبة هائلة من الضرائب، هي أضعاف ما كانت الشركة قد ربحته منذ افتتاحها. ثم لما تحريت الأمر وسألت الخبراء في شؤون الضريبة، فأجابوني بأن مثل هذه المشكلة كان من الممكن تجنبها لو أن صاحب الشركة قد سجل شركته بالإقرار الضريبي منذ البداية. بل إنه مع تزايد الخبرة بأمور الضريبة، من الممكن تحويلها لصالح مضاعفة أرباح الشركة، وإن الجهل بالأمور الضريبية والخوف منها هو الذي أدى إلى شك المفتش الضريبي بوجود تهرب ضريبي، مما جعله يبالغ في تقدير الضريبة على الشركة.

مأساة التسويق في بلادنا العربية

ليس من الضروري القيام بجمع وحصر كافة جوانب المشكلة الناتجة عن صعف الوعي الاقتصادي وأثرها في التراجع الاقتصادي، لكن يمكن تناول عالم “التسويق” كمثال، فهو علم وفن مهم جدا في تنشيط عجلة الاقتصاد، كما يساهم في النمو الاقتصادي وحل مشاكل الجمهور بتقديم أفضل وأنسب البضائع والمنتجات لاحتياجاته، إذ تقول موسوعة ويكيبديا عن وضع التسويق في العالم العربي:

“إن عدم فهم التسويق في بلادنا جعل من أمر الحصول على وظيفة في التسويق أمراً صعباً، بل إنه قد يحبطك إذا لم تكن لديك دراية تسويقية بالحلول الممكنة لكي تحصل على وظيفة أحلامك في التسويق. مبدئياً أغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة تعامل التسويق على أنه بيع، وتصر على أن تضع الاثنين في قالب واحد، وعندما تتصل بك موظفة لتطلب منك أن تعمل كتنفيذى تسويق، فاعلم أنك في الأغلب سوف تنزل كمندوب مبيعات لتبيع للناس والشركات، فالأمر بالنسبة لها مجرد تشابه مصطلحات! أما حال الشركات الكبيرة والتي تعرف ما هو التسويق فهو مختلف، ولكن يبدو أكثر صعوبة للأسف، فمعظم جامعاتنا ومعاهدنا العربية لا تعرف ما هو التسويق الفعال، ولذلك تجد أغلب الشباب المتخرج منها حديثاً يريد أن يعمل في التسويق في شركة كبيرة، ولكن في نفس الوقت هو لا يمتلك مهارات تؤهله للعمل في التسويق الحقيقي.” بتصرف.

في هذا المثال المحوري، نلاحظ مثالا على مشكلة اقتصادية من جهتين، أولا، شركات صغيرة لا تفهم التسويق وتقلل من قيمته، وثانيا، خريجي التسويق ليسوا بمستوى العمل في الشركات الكبرى التي تعلم ما هو التسويق وتقدر قيمته. وبهذا المثال يتوضح مقدار ضعف الوعي الاقتصادي على المستويين الفردي المجتمعي، وتظهر أهمية نشر التوعية الاقتصادية والمالية بشكل عميق في المجتمعات العربية لتحريك المياه الراكدة وتنشيط الاقتصاد، وبتوفر التعليم الجديد على الإنترنت، أصبح من الممكن ردم الفجوة التعليمية وتوعية المجتمع اقتصاديًا بشكل أفضل.

زاهر طلب
3/1/2021

المصادر:
تسويق – ويكيبيديا (wikipedia.org)

Scroll to Top