إلى الفرحين بموت جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في تركيا…

هل مقتله يعتبر مؤسسياً أم شخصياً لا يعبر عن النظام السعودي نفسه؟

الإجابة:

يعتبر التأصيل العلمي في مختلف المعارف والعلوم من أهم سمات الشريعة الإسلامية التي يجب الحرص عليها كل الحرص، وليس من العلم في شيء تجاهل هذا الموضوع الخطير أو تطبيقه في جانب دون آخر، فإن ذلك سيؤدي إلى فساد في القول والعمل والاعتقاد. ولكن المطلوب الالتزام التام بهذا المنهج التأصيلي في جميع الجوانب الشرعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء بسواء.

والموضوع مدار البحث، هو أحد الموضوعات التي أصابها التشويه لعدم إخضاعه للقواعد الأصولية الضابطة من قبل الناس عامة، وغثاء المسلمين خاصة. فالخلط بين الإفساد المؤسسي المنظم والإفساد الفردي الشخصي يؤدي إلى فساد في التصورات والعقائد وبالتالي ينتقل هذا الفساد إلى الأقوال، ومن ثم إلى الأعمال. وأخطر ما فيه، أنه يُعد من أهم أساليب الدعاية التي بها يُجيّش الغثاء من الناس، لإسقاط تلك الأنظمة العربية أو الأجنبية، التي تقف شوكة في حلق إسرائيل، وتحول دون توسعها في العالم، وخاصة في أرض إسرائيل الكبرى، ما بين الفرات والنيل، تطبيقا للعقيدة اليهودية (اليهود شعب الله المختار، والأرض ملك لهم، والبشر بهائم خُلقوا لخدمتهم). ولخطورة الأمر سنناقش الموضوع بأسلوب علمي بحت لا بالعواطف المتأثرة بالدعايات المغرضة.

أولا: يُقصد بالإفساد المؤسسي المنظم: هو الفساد الذي تقف خلفه جماعة أو حزب أو دولة، فهو بالتالي يعبر عن هوية وفكر وسلوك تلك الجماعة أو الحزب أو الدولة، وإن ظهر للناس أو أظهر لهم أنه إفساد فردي شخصي.

أما الإفساد الفردي الشخصي: فهو ذلك الإفساد الصادر عن شخصٍ ما لا علاقة ولا رابط يربط بين فعله وأية جماعة أو حزب أو دولة. وإن ظهر للناس أو أظهر لهم أنه إفساد مؤسسي منظم.

على سبيل المثال:

يعتبر القتل والسرقة والاغتصاب من الجرائم الكبيرة في المجتمع، فلو أن فردا من أفراد أسرة محافظة ملتزمة بدينها اقترف إحدى هذه الجرائم، فإن من الجهل اتهام إدارة الأسرة بالتحريض عليها والوقوف خلفها. وكذا الحال بالنسبة للجماعة أو الحزب أو الدولة المحافظة، إذ لا يجوز تحميلها وزر فرد من أفرادها، ما دامت تنهى عنه، أو أنها لا ترضاه، قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويعتبر هذا الإفساد إفسادا شخصيا فرديا.

أما إن صدرت هذه الجرائم ولو من فرد واحد باسم جماعة أو حزب أو دولة، فإنها تتحمل المسوؤلية عن هذه الجريمة أو الإفساد، ما دامت ترضاها أو تدعمها، ويعتبر هذا الإفساد إفسادا مؤسسيا منظما، كإفساد الخوارج والشيعة الرافضة والقرامطة والفاطميين و(التتر) ، وكإفساد الدول والأحزاب الاشتراكية المعاصرة، أو الدول الاستعمارية. فإنه من الجهل اعتبار هذا النوع من الفساد إفسادا فرديا يعبر عن شخصية الفاعل دون غيره، فإن في هذا من الخطورة ما فيه، وذلك لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي إلى أحد أدواته الفاعلة، فلو أن هذه الأداة قُتلت لسبب أو لآخر، لبقي الفساد المؤسسي قائما، بتجنيد غيره للقيام بالإفساد مرة أخرى. بينما لو قتل صاحب الإفساد الفردي الشخصي لانتهى دون رجعة.

ثانيا: تضع الأحزاب في أنظمتها الداخلية وكذا الدول في قوانينها ما يعكس هويتها ويحفظ لها أهدافها وغاياتها، وترعى بها شؤون رعاياها، وخاصة ما وضع من قوانين تتعلق بالعقوبات الجزائية، وما يتطلب القيا م به من إقامة المحاكم الشرعية والنظامية وتعيين القضاة عليها، وهذا كله يدل دلالة واضحة على أن الفساد الشخصي مرفوض من قبل تلك الأحزاب أو الدول، ولا يعبر بالضرورة إن وقع من بعض أفرادها عن رأي ذلك الحزب أو تلك الدولة، ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى وضع هذه القوانين ولا تلك الأنظمة الداخلية لمعاقبة المجرمين.

ثالثا: قصص واقعية:

1- نادى نوح عليه السلام ابنه (يا بني اركب معنا) لينجو من الغرق، ولكنه أصر على الكفر فغرق. وكذا إبراهيم عليه السلام حين دعا أباه للإسلام، لم يطعه وأصر الأب على الكفر. وزوجة لوط عليه السلام، رفضت دعوة زوجها النبي، وخانته بكفرها، وغير ذلك من القصص التي تدل على براءة الأنبياء عليهم السلام من الإفساد الفردي الذي صدر من ذوي القربى.

2- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال في الحروب، ولكن في إحدى الغزوات وجدت امرأة من المشركين مقتولة، فقال: (ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل) منكرا على من قتلها، وعليه لا تتحمل القيادة النبوية مسؤولية هذا الحادث بحجة صدورها عن فرد من المسلمين.

3- قام الخوارج بقتل المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين، ولم يقل عاقل أن هذا القتل كان بدافع من القيادة السياسية، ولكنه إفساد يعبر عن تلك الفئة الضالة من المسلمين فقط.

4- قامت دولتا القرامطة والفاطميين بنشر مختلف الفساد بين المسلمين حين استلمتا الحكم، وعليه من الجهل إلقاء المسؤولية على النظام الإسلامي نفسه، فالإسلام يحرم الجرائم التي ارتكبت باسمه.

5- قامت حركة جهيمان في السعودية بفتنة الحرم المكي في عام 1400 هـ، مدعية المهدية، وتبين سقوط ادعائها، وعليه فإنه من الجهل تحميل النظام المسؤولية عن الحادث، الذي طالما حذر مرتكبيه من عواقب سوء صنيعهم من خلال الأجهزة الأمنية والعلماء الكبار، وها هو تنظيم القاعدة في السعودية يخطو خطوات أمثاله.

6- تراجعت جماعات التطرف الجهادية في مصر عن المضي في أسلوبها من خلال إطلاق مبادرة نبذ العنف. فليس من المعقول أبدا أن يُحمّل النظام المصري المسؤولية في حين كان يقف ضد هذه الأعمال ولا يزال.

7- يسعى النظام الأردني إلى محاربة التمييز العنصري والطائفي بين مختلف فئات الشعب، وعليه لا يجوز اتهامه بالعمل على إثارة النعرات الطائفية والعنصرية بحجة وجود بعض أفراد الشعب – حتى لو كان بعضهم من أفراد المؤسسة الحاكمة – ممن يقومون بذلك.

هذا والله أعلم…

ورحم الله جمال خاشقجي.

عدنان الصوص

٢٠/١٠/٢٠١٨

Scroll to Top