حزب التحرير وتدعيش العراق والشام

عقد حزب التحرير مؤخرا مؤتمر الخلافة في إدلب، وذلك بعد الانتصارات الأخيرة لجيش الفتح الذي يتكون من عدة فصائل مقاتلة تقودهم جبهة النصرة، وقد أشيع في الفترة الأخيرة أن جبهة النصرة سوف تعلن فك ارتباطها وإلغاء بيعتها لتنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري.

ثم كانت المفاجأة في مقابلة الجولاني قائد جبهة النصرة مع قناة الجزيرة أعلن فيها أنه متمسك أكثر ببيعته لتظيم القاعدة! ولكن مع لهجة أكثر نعومة بما يخص التعامل مع الأقليات وقوانين المجتمع الدولي.

 

نعود لمؤتمر حزب التحرير الذي ما كان من الممكن عقده إلا تحت حماية ورعاية مناطق سيطرة جبهة النصرة، حيث يشترك هؤلاء بالإيمان بفكرة متطرفة بأن الخلافة الإسلامية هي ركن أركان الإسلام! وهذا الاعتقاد المتطرف مخالف لتعاليم الإسلام التي تضع أركان الإسلام الخمسة في المقدمة، وتضع الخلافة واجبة الإقامة عند المقدرة على ذلك، ومن خلال إصلاح المجتمع وليس الانقلابات والأعمال العسكرية.

فما مدى حجم تأثير فكر حزب التحرير في ظهور داعش وجبهة النصرة في سوريا؟

البعض يقيسون عدد أعضاء هذا الحزب بأنهم قليلون، ويقيسون النشاطات العلنية لهذا الحزب مثل هذا المؤتمر بأنها قليلة بالمقارنة بأنشطة جبهة النصرة، فيستنتجون أنه حزب هامشي لا تأثير له، وهذا غير دقيق، فهذا الحزب تأثيره فيروسي بنشر أفكاره وليس بالانتماء التنظيمي، وهو ينشط أكثر في الساحات المستورة وليس العلنية، وأما في الأعمال العسكرية فهو نموذج ما يسمى تاريخيا “الخوارج القعدة” الذين يحرضون غيرهم على الخروج والإرهاب ولا يفعلون ذلك بأنفسهم، وقد عدّهم العلماء أشد خطراً من خطر الخوارج العلنيين، لأن الخوارج القعدة عملهم سري ويصعب إثبات شيء عليهم مثل جرائم داعش، بينما هم في الحقيقة المصنع الفكري الذي تخرجت منه القاعدة وجبهة النصرة وداعش.

هذاالحزب فكرته الرئيسية هي الخلافة، فالخلافة هي دينه وهي إلهه! وهو أول صاحب لهذه الفكرة المغالية في هذا العصر، وأثره المباشر في العقود الماضية كان أكبر، لكن حتى الآن يبقى هو الأصل والأب الفكري لأدبيات الحركات الإرهابية التي تقدس الخلافة.

إذا كنا نقر جميعنا بأن فكرة تكفير الحكام والهوس بالخلافة، هذه الفكرة المعششة قد مرت على كل مسلم في هذا العصر عدة مرات في حياته وتركت أثرا هائلا!

فهذه الفكرة المنتشرة مصدرها الرئيسي والأول هو حزب التحرير، فقد عرفت هذه الفكرة أول مرة في مراهقتي ليس من قبل تحريريين مباشرة، بل من قبل سلفيين متشددين وتكفيريين! ثم عرفت لاحقا أن هيئة كبار العلماء في السعودية ليست تكفيرية، ولا تقدس الخلافة، وأن هؤلاء السلفيين التفكريين مخالفين لها ويزعمون الانتماء إليها كذبا أو جهلا، فمن أين جاءت إليهم فكرة تقديس الخلافة؟ بالطبع بتأثير فكري من حزب التحرير.

إن هذا الحزب يعتمد على قاعدة “قليل دائم خير من كثير منقطع”، التي تشابه قاعدة تأثير الفراشة، التي تقول بأن “استمرار رفرفة جناحي فراشة صغيرة لمدة طويلة باستمرار يؤدي نهاية الأمر إلى إعصار مدمر”، وها هو إعصار داعش هو نتئاج عقود من العمل الفكري الصبور من قبل حزب التحرير.

زاهر بشير طلب

كاتب ومفكر سوري

Scroll to Top