في فترات سابقة رُفعت في بعض مظاهرات الثورة السورية شعارات ترفض المعارضة السياسية، مثل “من يمثلني ثوار الخنادق وليس معارضة الفنادق”… وغير ذلك، وهذه الشعارات ليست رافضة فقط لأداء المعارضة، بل صارت ترفض كل المعارضة من الأساس، وهذا الانتقال من رفض الأداء إلى رفض المعارضة ككل سوف يصب في مصلحة النظام، ففي الحقيقة إن العمل السياسي المعارض في الفنادق ليس أمرا سهلا، فأعين عملاء النظام لا تكل في ملاحقتهم وتسعير مزيد من الخلافات بينهم.
إن المعارضين متخصصين في العمل السياسي، بينما المقاتلين في الخنادق متخصصين في العمل العسكري، ويجب أن نعطي الخبز لخبازها، فالعسكري يبرع بالعمل العسكري ويعجز عن العمل السياسي والعكس صحيح، أما حالة الخلافات السياسية بين المعارضة فهي الوضع الطبيعي في جميع دول العالم، أما مشاكلها فهي أهون من مشاكل الخلافات بين الكتائب العسكرية التي قد تؤدي إلى نشوب بعض القتال بين الكتائب، وهو الأمر الذي يحصل بسبب عملاء للنظام مبثوثين فيهم.
لقد كنت في السابق ممن يسخر ويستهزئ بمعارضة الفنادق، لكن الحقيقة هي أن العمل السياسي يقتضي التفاهم والنقاش السلمي الطويل من أجل الوصول للاتفاق.
أما أهل القتال في الخنادق فهم أصحاب الشرف الرفيع، ولكن تمثيل الثورة والشعب سياسيا هي مسؤولية وليست امتيازا كي يستحق المقاتلين قطفه مثلا، ولأنها ليست امتيازا فيجب ألا نسمي ذلك سرقة للثورة، بل مسؤولية تلقى على عاتق من يقدر عليها، تماما كما أن القتال هو مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق من يقدر عليها.
إن هذه الثورة لم تقم من أجل إحلال نظام فردي مكان النظام السابق، ولا لكي يأتي من يسرق النظام الجديد سواء من السياسيين أو العسكريين، بل من أجل إعادة الحرية للشعب، فالممثلين الجدد عن الشعب من المعارضين يجب أن يكونوا من الشرفاء المحترفين في العمل السياسي لكي يمثلوا مطالب الشعب، ويحملوا على عاتقهم أن يحققوا للشعب ثمرة الثورة، فالثمرة الحقيقية هي الحرية التي يقطفها جميع الشعب، وليست الثمرة هي الوصول للحكم.
لكن مشكلة المعارضة السورية هي أنها في غالبيتها ليست مخلصة للشعب، وليس لأنها كثيرة الخلافات وليس في أنها تتواجد في الفنادق، فجميع السياسيين في العالم مختلفون في آرائهم ويعملون في الفنادق، فهذه طبيعة عملهم، والمعروف في السياسة أن جميع الخلافات السياسية مهما كبرت يوجد لها طرق كفيلة بحلها أو السيطرة عليها والوصول لاتفاقيات وتحالفات على أرضية مشتركة، وخاصة عندما يكون الشعب بأمس الحاجة لإسراع السياسيين في الاتفاق، وهذا ينجح بشرط توفر صدق النوايا لخدمة الشعب والوطن.