نتنشر هذه الأيام نغمة لوم الشعب السوري الثورة السورية على ما حل بسوريا، وتحميله المسؤولية عن ذلك، وأنه إذا ما انتصر بشار فوق كل هذا الدمار، وازدادت قوة إيران وزاد تهديدها على الشعوب العربية، فذلك بسبب هذه الثورة السورية لأنها قامت بدون استعداد ولا تخطيط ولا تحقيق لشروط النصر، من عدد وعدة وقوة إعلامية وتوحيد للصف ورفع للوعي وغير ذلك.
إن النقد للثورة السورية على أخطائها وعدم استعدادها وكل ذلك هو نقد محق، لكن هذا النقد أحيانا يغفل أنه يصعب إيقاف الثورة بعد أن بدأت، ويغفل أنها بدأت شعبية عفوية نتيجة تراكم الغليان الشعبي منذ عقود طويلة من مختلف أنواع القهر بأشد أشكال القسوة والإذلال، وهو غليان تلاقى مع ثورة تكنولوجيا الاتصالات والتواصل، ومع جو عربي مشحون بشحنة ثورية هائلة بعد سقوط نظامي تونس ومصر، كما يغفل أحيانا أن هذه الثورة كانت ضرورة ماسة في وقتها، ثم أنتجت فوائد هائلة لم يكن يمكن تخيلها يوما، من أهمها إسقاط دجلية المقاومة وفضح حقيقة حلفها.
لو بدأنا من حيث وصل إليه المخطط الإيراني لحزب الله في لبنان ومخطط المالكي في العراق، وكيف صدمتهم الثورة السورية وأوقفتهم، ماذا يمكننا أن نتخيل الوضع في لبنان والعراق لو لم تحصل هذه الثورة؟ كما أعطت وقتا لمصر بعد دخول قوى إيران لتملأ الفراغ بعد سقوط مبارك المفاجئ، كي تتدبر أمرها بدلا من أن يتفرغ لها حماس وحزب الله الذين انشغلوا في سوريا.
إن وقوع الثورة السورية بعد سقوط مبارك واندلاع الثورات في البحرين واليمن، ووصول الثورة إلى الأردن والتحريك الإيراني للثورة في السعودية، وانحراف معظم تلك الثورات في جوهرها عن شعاراتها بطلب الحرية للشعوب إلى أن تكون مطية لخطط إيران، كل هذه الكوابيس وغيرها أزاحتها بقوة حادثة الثورة السورية، فأعطت وقتا ثمينا للدول العربية لتلتقط أنفاسها فلا تأخذها خطط إيران بغتة على حين غرة، فانتقلت الكرة الى ملعب إيران، فسقطت كثيرا من الأدوات الدجلية التي يعتمدون عليها لنشر مخططاتهم خاصة أكذوبة المقاومة والممانعة.
ولهذا كانت لهذه الثورة فوائد تفوق أضرارها، فقد ساهمت في تصحيح محصّلة مسار الربيع العربي ليكون أقرب لحرية الشعوب والديمقراطية، وليس مجرد استهداف لدول عربية محددة تقف في وجه إيران، وبسبب كل ذلك وأكثر كان عدم وقوع الثورة في سوريا سيشكل كوارث أكبر من الكوارث التي حصلت بسببها.