الديمقراطية… وما أدراك ما الديمقراطية؟ إنها ليست مجرد وصفة نأتي بها من دول غربية فنسقطها على واقعنا فتثمر بسرعة واحة من الديمقراطية ولا حتى بعد سنوات، إن الديمقراطية تبدأ أولا كممارسات وحوارات شعبية ومدنية وحزبية إيجابية تشمل الجميع بلا تهميش لأي طيف، وتبتعد عن الأيديولوجيات المتحجرة واليقينيات الشمولية النهائية!
في ظل الوضع السوري الراهن وخاصة فشل المعارضة السورية السياسية، وندرة القيادات الثورية التي تتحول لقيادات سياسية ناجحة، فما هو الحل؟ فمن المستحيل بناء نظام ديمقراطي من قبل المعارضة السورية لأنها مؤدلجة، وأيضا يصعب ذلك على الشعب وقيادات الحراك أيضا لأنه غير مؤسس ديمقراطيا بعد.
أما العقبة أمام ذلك فهي أنه لا يوجد في سوريا جو مستقر وقوي وآمن ويسمح بنشوء وازدهار هذه الحركة السياسية الديمقراطية، والتي هي بالتأكيد تحتاج لسنوات طويلة لبنائها، وبالعودة إلى التاريخ نجد أن من نماذج التطور الصحيح للديمقراطية، نموذج كان يبدأ تدريجيا من نظام ملكي مطلق إلى نظام يسمح بحرية الكلمة ثم يسمح بالبرلمان ثم الحكومة المنتخبة، وهكذا… ويصاحب ذلك عملية بناء شعبي للديمقراطية، وذلك مثل الرسائل النقاشية التي طرحها ملك الأردن عبد الله الثاني هذه الفترة حول التمكين الديمقراطي وممارسة المواطنة الإيجابية.
أما في الأنظمة الجمهورية، فإن النمو الصحيح للديمقراطية أيضا لا يتم فجأة فقط بواسطة الثورة، فالديمقراطية لا تنمو في الفراغ بل تحتاج أولا لتربة خصبة تكون حاضنة له، ففي التجربة المصرية الجمهورية يوجد نموذج إصلاحات الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك الذين خطوا خطوات باتجاه الديمقراطية مقارنة بالنظام الاشتراكي الشمولي الناصري الذي حل الأحزاب وأغلق الصحف، ولكن كان يتوجب تجنب أخطاء مبارك الفادحة بتوقفه عن السير بعملية التمكين الديمقراطي بحجة أنها لا تصلح للعرب، إذ كان يجب عليه أن يجعل شعبه صالحا لها إذا كان فعلا يريد مصلحة وطنه وخائف عليه حقا من سيطرة الإخوان المسلمين.
هذا يقودنا إلى القول بأنه يجب على ما تبقى من الأنظمة العربية أن تحرص على تأسيس الديمقراطية على أصولها من القاعدة لقمة الهرم. ولا يتوقفوا في مرحلة ما مثل ما توقف مبارك عند نقطة “احكوا اللي انتو عايزينه وأنا بعمل اللي أنا عايزه”، فرغم أنه قد نشأت الحياة الحزبية ومورست الانتخابات وسمحت حرية الصحافة، لكن بقيت الانتخابات مزورة حتى سقط النظام، لأنه توقف وانحرف عن السير إلى الديمقراطية.
أما في سوريا فكيف نعثر على فترة من الاستقرار السياسي الآمن والتي تسمح في ذات الوقت بالحركة الثقافية اللازمة للنمو الصحيح للديمقراطية؟!